يبحث الفيلسوف عن امرأة حرة في العقل. تلك التي إذا حاصرها المتزمتون وهم يحملون العصي وأمروها أن تُغمض عينيها عن الحقيقة، تحمل في وجوههم سكيّن مطبخها وتبدأ بتقطيع الكلام لتفصل بين المتناقضات. إن هددوها بالموت، غنّت للحياة متبوعة بجيشٍ من العصافير. وإن أوصدوا عليها الأبواب والنوافذ، تسرّب ضوء كلماتها من الشقوق وصار صوتاً مدوياً في ضمير المنادين بالانعتاق من الوهم. وليس مهماً أن يلتقي الفيلسوف بامرأته هذه، ذلك لأن المعنى الذي يتدفق من العقول الحرة، كفيلٌ بتطهير صفحات الزمن.
يفتّش الشاعر في أوراقه عن صورة امرأة نادته يوماً من ضفة الخيال. وحين استيقظ قافزاً، اتهمه المترددون بالجنون والخبل. ها هو يركضُ في المنحدرات بحثاً عن الزهرة التي نبتت تحت تراب رجليها، ولا يجني سوى الشوكة والجرح. وها هو يذهبُ كل يوم إلى الصحراء ليكتب على رملها قصيدة الصبر، لكن الريح تذرُّ عجاجها في عينيه وتتركه حائراً وشريداً في متاهة المطلق. سمعناه يهذي: أنا هنا بانتظارها منذ ولدتُ، وكان يشيرُ إلى قلبه. ومن بعيد رأينا الغزالة تقفُ لتسمعه قليلاً، ثم تواصل ركضها في الأفق المفتوح، وهي تنأى في سراب الأبد.
في المصعد، يلتقي رجل الأعمال بسيدة الأعمال. أنيقان يرتفعانِ في مربع الطموح وأنيقٌ انعكاس وجهيهما على زجاج العمارة. يبدأ الحوار بينهما بالنحنحة، ثم يسقطُ القلمُ من يدها فينحني الرجل لإعادته، ثم تبدأ من بعدها رحلة دورانهما في المصاعد والسلالم المتحركة والسيارات الفارهة. هذه قصة حب ناقصة قال رجلٌ فاشل، هذه علاقة بلا عواطف، لمحّت امرأة حاسدة وهي تراهما يغادران المطار منسجمان يداً بيد وقلباً بقلب. ما أروع أن تتكرر قصص الحب العظيمة بشكل جديد، قالت الكاميرا المعلقة على الحائط.
يذهب ثلاثة رجال إلى المرأة التي تنتظرُ عند مفترق الطريق بين أحلامها وموتها. ينسحب الرجل الأول خائفاً حين يجد صفاً من الحراس ويكون مصيره الخنوع. ينسحب الرجل الثاني حين يكتشف أن الحرية هي المسؤولية، وعليه لكي يفوز بامرأته الحقيقة، أن يتخلى من أجلها عن كل شيء. وهذا أيضاً مصيره التأزم والانفصام. أما الرجل الثالث، ذاك الذي صرخ في وجه الحراس: أحبّها، فانقشعوا. ها هو الآن على أرجوحة العشقِ يعادلُ اختلال ميزان الكون ويعيدُ ضبط دقائقه وثوانيه.