أن تنجح في إدارة المشاريع الكبرى، لتقودها إلى النجاحات غير المتوقعة، معناه أن تكون مختلفاً، متفرداً، ومفرداً بصيغة الجمع.
والذين يديرون الأندية الكبرى التي يتحلق من حولها ملايين ينحدرون من كل قارات العالم، ويحققون إيرادات مالية خيالية، هم بالتأكيد استثناءات قد لا يقاس عليها، ولكنها تدرس لأنها مصدر إلهام لكل من يريد أن يتذوق طعم النجاحات الخارقة والقيادة المربحة، وفلورنتينو بيريز رئيس نادي ريال مدريد، الذي يستعد لخلافة نفسه لعدم وجود منافس في قيمته وقامته، واحد من هؤلاء، وأصدقكم القول إنني لا أستطيع أن أكون مثله، حتى لو أكثرت من دروس الدعم!
في الجوهرة المشعة، خلال نهائي السوبر الإسباني، انطفأت أنوار ريال مدريد بفعل عطل فني أوقف كل محركات الإبداع، رغم «الومضة» المبكرة لمبابي، ليخرج «الريال» من هذا النهائي صاغراً ومهاناً تماماً، كما كان الحال في ذهاب «الكلاسيكو» في «البرنابيو»، وكيف يقوى «الملكي» وكل جماهيره على تحمل هذه الصفعة القوية من برشلونة؟
في زاويته بالمقصورة الشرفية، تكوم فلورنتينو بيريز، وقد كان كل هدف برشلوني يضرب مثل الإعصار، وبنهاية المباراة بتلك الخسارة والفظاعة، هاجت جماهير «الريال» وكنت للأمانة أحدهم، وصاغ الإعلام الموالي لـ«الريال» المرثيات وأقام محاكم بل وأصدر أحكامه، وكان أكثر حكم تردد بينهم، أن الإيطالي أنشيلوتي أفلس، وما عاد قادراً على إدارة المعارك الكروية الكبرى، ولا قرار يعلى على قرار إقالته، خاصة أن ريال مدريد أكثر هذا الموسم من سقطاته أمام الكبار.
لكل هؤلاء أنصت رئيس «الريال»، وقد لملم جراح السوبر الضائع وكتم أنفاس الغضب الساطع في جوفه، ليقول بابتسامة حيرت الجميع «ألا يمكن أن نخسر نهائياً، بعد كل هذه الألقاب التي فزنا بها؟»، ثم أضاف متهكماً «ألا يحق للآخرين أن يفوزوا ولو بالنزر القليل»، وراح بيريز يوزع الابتسامات والمجاملات على من حوله، وقد استقر مثل الجبل في مكانه، لم تزعزعه هزيمة الغضب، ولم يخرجه ضياع اللقب عن طوعه ولا هدوئه، قد يكون فجر غضبه في وجه أنشيلوتي في الغرفة الموصدة، قد يكون لامه أو عاتبه أو وضع على عنقه سيف الإقالة الموقوفة التنفيذ، ولكنه لم يصدر قراراً من القرارات التي تنتظرها جماهير «الريال»، سيبقي أنشيلوتي في مكانه، وإن انتدب شتاء فلن يخرج كل ما في حافظة النقود ليبذر، سيتصرف بالحكمة والبراعة والدهاء وحتى الجنون الذي لا يقدر على تخيله أحد.
ستمر الأيام، وسيقف «الريال» على منصة التتويج، وقد يحصل على لقب جديد يضاف إلى العشرات من الألقاب التي تزين خزينة الملكي، وكل ذلك لأن لـ«الميرنجي» رئيس يفكر بطريقة مختلفة، مختلفة عنا جميعاً، فلا قرار يتخذ في حالة غضب ولا تشنج يمحو عن أي خسارة دروسها العميقة.
إنه فلورنتينو بيريز الذي لا يرمي به ضياع لقب لمستنقع الأخطاء والقرارات الإرضائية.