عام جديد ندعو الله أن يجعله عام نور وسعادة وسرور.. قبل أيام استقبلت إحدى الصديقات في مطار زايد الدولي، وأنا في قاعة الانتظار أسعدتني لقطات حرصت على أن أحفظها في ذاكرتي، عناق وقُبل على الجبين والخد واليد والكتف ولهفة تحمل أرجل الأطفال الراكضين إلى أمهاتهم وآبائهم، هناك نظرات خجولة وابتسامات عميقة من سيدات لأزواجهن، ابن يلامس قدم والده وجدة تطبطب على كتف ابنتها، وعلى زوايا النظر تقف العمات والخالات.. كثيرة وكبيرة وجميلة هي ساعات اللقاء، بها دموع فرح وبها نبضات شوق ورفيف أعين وهمسات ولمسات لا تدل إلا على المحبة والمودة والسلام، استقبلت الدكتورة سامية التي استقبلت أبوظبي (عاصمة الإنسانية) في أول زيارة لها.
في ليلة رأس السنة جلست في زاوية بأحد المستشفيات أدعو الله أن يحفظ هؤلاء الذين في حاجة لاستقبال أنباء تسرهم وتقرب فَرَجهمْ وتعزز حريتهم، بعيداً عن مقر الآلام وبعيداً عن الأدوية والإبر وأجهزة القياسات الحيوية ورنين صافرات النداء الأزرق، عندما انتهت زيارتي ركبت المصعد الذي وجدت به ثلاثة أجيالٍ من الرجال يمسك أحدهم بقبضتيه أطراف الكرسي وقد وقف ثابت الخطى، على الكرسي جلست سيدة تشع إيماناً وجمالاً ووقاراً وقد بان برقعها ولا غيره من سائر جسدها الذي غطته العباءة والشيلة بإحكام، أمسكت باب المصعد حتى يركب باقي «العيال» فلا يتفرقوا، نظرت إليّ وقالت «يزاك عند ربك خير.. الله يحفظك يا رب» أُغلق باب المصعد وشعرت أني واحدة منهم، بل رغبت في أن يقولوا لي تعالي البيت ويانا.. قال لي كبيرهم «غفر الله لمن رباك وأحسن التربية»، كانت رحلة المصعد من الدور الثاني عشر أجمل ما حدث لي في عام 2024 بالإضافة لوسام الإمارات للثقافة والإبداع، طبعاً.
نظرت إلى السيدة الوقورة وقلت لهم جميعاً «حفظ الله هذه السيدة وذريتها الصالحة، أنتم أجمل ما رأت عيني بل أنتم من نعم الله، حافظوا على هذا الكنز أنتم تعرفون قيمته وبفضل تربيتها سيفهم الآخرون ذلك فأنتم قدوة في القيم والسنع والأخلاق»، ساروا أمامي وصغارهم يتراقصون فرحاً لعودة الجدة إلى منزلهم، تمنيت لو أني رأيت الاستقبال في المنزل.
للعارفين أقول، في لسان العرب يَسْتَقْبِلُ الْمُؤْمِنُ القِبْلَةَ: يَتَّجِهُ نَحْوَها، استقبل عهدًا زاهرًا: دخل في حياة جديدة كريمة، اسْتَقْبَلَهُ: لَقِيَهُ مُرَحِّباً به، اسْتَقْبَلَهُ الأمرَ: استأْنَفَه، استقبل الرِّسالةَ: تسلَّمه، استقبل موجاتٍ: (الطبيعة والفيزياء) التقط أو حوّل الموجات الكهرومغناطيسيّة إلى إشارات مرئيّة أو مسموعة، مُرْسِل ومُسْتَقبِل: جهاز لا سلكيّ محمول باليد ومشغّل بالبطاريّة يسمح بالاتِّصال بين طرفين. ومن مشتقاتها القَبَلُ في العين: إقبالُ سوادِها على الأنف أَو الحاجب، القَبَلُ: المَحَجَّة الواضِحَة، القَبَلُ: كلُّ ما ارتفع عن الأرض من جبل أو تلٍّ أَو نحوهما يستَقْبِلُ الإنسان، انزل بِقَبَل هذا الجَبَل: بسَفْحِه، القَبَلُ: كلُّ شيءٍ أوّلَ ما يُرى، القَبَلُ: الكلأُ في مواضعَ كثيرة من الأرض، القَبَلُ: قطعةٌ من العاج مستديرةٌ تتلأْلأُ في صَدر المرأة أَو على الخيل، قَبَلَ اللَّيْلُ: أَتَى، حَلَّ، قَبَلَتِ الرِّيحُ: هَبَّتْ، قَبَلَ عَلَى العَمَلِ: أَسْرَعَ فِيهِ، قَبَلَ الْمَكَانَ: جَعَلَهُ أَمَامَهُ، أَقْبَلَ نَحْوَهُ، قَبَلَ الثَّوْبَ: رَقَّعَهُ، قبَّل الشَّخْصُ اتّجه ناحيةَ القِبْلة، أي: الجنوب، قبَّل الشَّخْصَ: لَثَمه، لامس أحدَ أعضائه بشَفَتيه للتَّحيّة أو إظهار الشّوق... وهكذا. وهل نترك لغتنا العربية أم نستقبلها بصدرٍ رحب؟