على صفحات الرمال الباردة، تتسرب أقدام، وتسري عيون، تحت مصابيح تسرج خيولها تحت السماء الزرقاء، وهناك حيث تقتعد العرانين كعوبها، عند عناقيد الغاف، هناك تمضي مشاعر عشاق الدفء، كأنها فراشات تبتغي البيض والصقال القواطع، هناك تعيش لحظات الزمن في حضور جيل تربى على ترف الطبيعة وبذخ المترفات من معطيات الزمن الجميل، وهناك وأنت تعبر محيط الشوارع المزروعة بنسيج الأسود البهي، تشعر بأن العالم يجتمع حول مائدة الفرح، وتشعر بأن المواطنين والمقيمين ينهلون من نهر واحد، وهو نهر، القوانين البيضاء، ويرتشفون عذوبة الحياة الزاهية، ويغنمون من فيض الزمن المتألق باسم دولة تعاصر الفرح بما تجود به كؤوس الابتسامات الرائقة، وما تفيض به شوارع الأمل المتدفق وعياً بأهمية أن تستمر الحياة من دون غضون، كأداء، وشجون وأدواء، حيث المعطى سخي، والمبذول يسدد فاتورة أزمان مرت، وأزمان تتقدم سخاء، وثراء، وبهاء، ولا تتوقف قافلة الأيام عن منح ما يسر، وما يدر، وما تقر له العين ويهدأ له بال.
بين الرمال الباردة، تتهادى غزلان الهوى محتشدة عند قمة، ومنخفض، وبين الدال والدلال، تستدل الأفئدة على مناطق الحرية على شفا صحراء أمعنت في العطاء، حتى فاضت جداول الأمنيات، واكتنزت القلوب بالأماني.
يقف المعنى عند حافة الأشواق، ويتأمل، ما يحدث، والمشهد مدهش، والصورة زاهية، والكلمات تعجز عن الوصول حتى قامة وطن أسدى، وأجزل، وفي المعاني تبوح الذاكرة بما يبهر، وما يغدق الروح فرحاً، ويمنح الضلوع جوانح، وأجنحة، وتمضي قافلة التأمل.. تمضي والحنايا مجبولة على الالتقاء بين نهرين، نهر الهوى ونهر الهواء العليل، وهو يلاطف الوجنات، ويلامس الشغاف، وهكذا تستمرئ العيون اطلالة النجوم وهي تمسح على خدود، ونجود، والساريات يحملن أشواق الدنى، وتحمل الأنسام عطر صحراء أدمنت البياض، فساورت أفئدة عن بوح، وصدح ولما التقت تلك الأشرعة عند معابر الهوى، ناخت ركاب، واستولى الغرام على فالوب لها في الزمان قصة، وحكاية وقصيدة لم تكتب بعد، إلا على حبات الرمل، ولا منتهية رغم انتصاف الليل، رغم نهاية البحور الشعرية، وبزوغ النثر بساطاً من حرير الملكات.
أيها الساهر تصحو وهنا في رحيل الكوكب، تبقى الأغنية كأنها ريحانة في لحظة التألق، وكأن الناظر في حالة حلم ليلي، لم يستطع تفادي الاصطدام مع لجلجة الطير الهائم تحت جنح الظلام.
هيا نتحدث يا رمال، وهيّا نبوح بأسرار الليل، وضجيج اللواعج بين الضلوع، وهيّا نمشي على أهداب الغيمة، ونمسك بتلابيب المطر، رغم الجفاء، ورغم الغياب، تبقى الرمال الباردة، هي سجادة عشاق هاموا وما قاموا، وما سأموا من البحث عن دفء الرمال، وعن فرحة الوطن، ومداده المديد، هيا نقولها لتلك الشجيرة المعلقة بين رمش، وجفن، تمسك بتلابيب الهوى، وتلاحق عفويتها بالتماس العذر لغيمة فارقت الحياة قبل أن تحط رحالها على خاصرة الرمل.
فشكراً للذين يصنعون من الوطن حلماً كأنه البساط على جبين القمر.