في بداية كل عام، ترى الوقتَ ينزلقُ من يدها مثل شالٍ نهبته الريح. ها هي تسألُ من جديد: في أيِّ اتجاهٍ تنتظرني الحقيقة؟ وها هي الساعةُ في يدها تصيرُ قيداً لامرأةٍ كلما أرادت المشي نحو الضوء، حاصرتها الهواجسُ وجرَّها الشكُّ إلى الوراء. بينما على الطرف الآخر من الوقت، رجلٌ ينتظرُ حاملاً الوردةَ والقلمَ والمفتاحَ. ولكن إلى متى؟
تهاجرُ الطيورُ من فيءٍ إلى فيء، ويَلُذُّ لها الاغتسالُ في المياه البعيدة. لا حدودَ لأجنحةِ المسافر، لا الأفق مسدودٌ ولا الزمن يعطبُ أو يقف. لماذا إذن تفتحُ العاشقةُ شبّاكَها كلَّ صباحٍ ولا تقفزُ أو تطير؟ لماذا لا تحملُ المرأةُ المسكونةُ بالحبِّ مكبّرَ صوتٍ وتضعهُ على قلبها كي يضجَّ العالمُ بالنبضِ العظيم؟ إنْ حدث ذلك في أولِ العام، سنرى الأيامَ تصيرُ أهازيجَ مرحٍ أبدي، والعشّاقَ الحائرين يصعدون السلالمَ لقطف النجومِ النائمة.
المرأةُ المسكونةُ بالندم، هذه التي تقلّبُ ألبومَ الأعوامِ الماضية وتبحثُ في الذكرياتِ عن صورتها الجديدة. لماذا لم يمدَّ لها أحدٌ حبلَ الضوءِ ليشدّها لتخرجَ تحت شمسِ العامِ الجديد؟ لا بأس يا سيدتي أن نرى العالمَ متقلباً بين حزن وفرح، السفنُ التي يُكتبُ لها الوصولُ لا تنتمي لمرسى، وإنما لمواصلةِ المسير. هاتِ يدَكِ واصعدي مرةً على ظهرِ نسرٍ، ولا تبالي بعدها في أيِّ قدرٍ جديدٍ ستُولَدين.
بأمِّ عيني، رأيتُ امرأةً تعجنُ الوقتَ وتقدمه خبزاً للحالمين بالحرية. هؤلاء الذين يقفون على بوابةِ الأمل وبيدِهم مفاتيحُهم، لكنهم لا يجرؤون على هدمِ سورٍ أو نطحِ جدارٍ مائل. كانت تقولُ لهم: الذهابُ إلى الأحلامِ العظيمةِ يحتاجُ إلى رجالٍ يرمون المفاتيحَ الصدئةَ ويفتحون بوابةَ الزمنِ بأيديهم. قالت، ثم قامت وهزّت شجرةَ العامِ الجديد، فسقطت تحتَ أقدامها أقلامٌ كثيرة، وتناثرت على الأرضِ أوراقُ القصائدِ التي لم تُكتبْ بعد.
على قمةِ جبلِ الزمن، بين انفصالِ عامٍ ودخولِ آخر، كانت تجلسُ السيدةُ الأنيقةُ التي اسمها: اللحظة. ويا للغرابة، حيث يأتي الفلاسفةُ ليدوروا من حولها بحثاً عن الحقيقةِ المتلاشية، ولا يجدون سوى ساعةِ الرملِ مقلوبةً، فيقلبونها ويغادرون. ثم يأتي المتأملون في معنى السكون ليسقوا الزهرةَ النائمةَ في حضنها بماءِ اليقظةِ خوفاً من أوانِ ذبولِها. ثم يأتي السذج حاملين شباكَهم أملاً في اصطيادها وحبسها في القفص. فهل يُدركُ هؤلاء أن اللحظةَ الآن، هي الزمنُ كلُّه؟