ألا يكفي خدع بصرية؟ ألا يكفي ألعاب نارية على رموش العين، فتحترق المقل، وتغيب الشمس عن لب في القلب، وتضيع المرايا في حشر مصاصي الدماء، ونشر القلوب التي في كامنها غي، وصهد، وحشرجات الذين باعوا حطب النار ليشتروا به جمرات تفسد الحقائق، وتفشي أسرار الضمير الغائب.
اليوم وفي هذه الجغرافيا تتخلع مسامير الرعي وتتناثر ألواح الأبواب، والنوافذ تطل على حشود رأت في المنام أنها أمسكت بالحقيقة، وما هي بالحقيقة بل أضغاث أحلام تسللت إلى العيون فلم ترَ غير التعصب، وسيلة لتمرير نوايا، وخفايا، وشظايا، ومرايا يكسوها الغبار، وجزر عقائدية غيرت كل شطآن البهجة، فاستولت عليها مخالب الشيطان، فاستباحت أسساً، وتغطرست، وتفجرت طغياناً، وفجوراً، وكل ذلك يأتي تحت ذرائع الدين، والدين براء من خفايا كأنها نفايات من زمن عاد وثمود، وكأنها بقايا عظام نخرة، رمتها نائبات الدهر، وقذفتها في أتون أخلاق فقدت شيمها، وخسرت قيمها، وأصبحت مثل نشارة الخشب الضائعة في صحراء قاحلة.
التطرف فكرة شيطان رجيم، وكائن أثيم، ومعتد زنيم، وأفاق، ملفق، متدفق كأنه الحثالة في جسد مريض.
التطرف مشاعر تجاوزت أبجدية الحب، واحتمت بغابة من الكراهية، فانتهى الأمر بالتطرف ليصبح في الزمان قيحاً، من أفكار تخندقت عند أوهام شعثاء، شعواء، عشواء، فادحة في سوداويتها، كالحة في مشهدها، جارحة حتى الإدماء في سيرتها، قاتمة في مظهرها، وجوهرها، الأمر الذي يجعل المتطرف في المحيط، يشيح وجوماً للحياة، ويتبنى الموت المجاني عقيدة، وتصرفاً، ولهذا لا أمل في أن تتخلى القيم الإرهابية عن سيرتها، ولا عن مسيرتها، ولا عن سيرورتها، ولا عن مسارها، فالتطرف كائن أعمى نسي عصا الاستدلال في مخبأ الذاكرة المثقوبة، وسار في الطريق، يسف، ويتعسف ويخسف، وينسف، ويدوس على الحقائق كأنما يدوس على حشرات نافقة.
يقول فيكتور هيجو (نحن نرزح تحت رحمة هذه «الآلهة» الشيطانية والتي هي الأفكار، والتي تدوس على أرواحنا، لتجعلنا نعيش من أجل البقاء، وليس من أجل الحياة)!
فالحياة فرح، وتفاؤل، وتفانٍ وتضحية من أجل الأنا، والآخر على حد سواء، ومن يعيش من أجل البقاء، فهو كائن وحشي يبحث عن الفريسة حتى في أشد الحالات إشباعاً، لأنه كائن يرى في إسالة الدم نبض حياة، وفي إزهاق أرواح الأبرياء وسيلة للفوز، والانتصار، ويرى في حرق الأخضر طريقاً للمرور إلى تضخم الذات، ويرى في تهشيم الثوابت، والفتك بالحضارة، وتحويل الأوطان إلى شذرات وفشات على ظهور نياق هاربة مسألة وجود بالنسبة له.
اليوم نسمع من هنا وهناك، شعارات أشبه بالزبد، تطلق من أفواه فهمت العلاقة بين البشر على أنها مقابض ثياب معلقة على حبال في الهواء الطلق، وما أن تجف هذه الثياب حتم يتم رمي المقابض.
أفكار ربما لا يفهمها الكثيرون، ولكنها في الحقيقة هي نتيجة وليست سبباً، السبب الخفي هو الكراهية المجبولة منذ أن تم فطم هؤلاء بحليب التنمر، وجفاف العاطفة.
فأينما تجد متطرفاً، فاعلم أن وراءه حقلاً ملغوماً بأفكار الكراهية.