الابتسامة ثقافة، والثقافة وليدة فكرة، ونحن بين الثلاثي أداة متحركة نحو الإيجاب أو السلب.
كانت السنون في سابق العهد، تمر بحلوها ومرها دون أن تحرك في الوجدان ساكناً، إلا ما ندر، وما يتعلق بشؤون، وشجون الإنسان الفرد، أما اليوم فقد تغيرت الأفكار، ومنها تتابع الثقافة، فتنجلي كل مناسبة عن طقوس، تتفتح لها المشاعر، وتصبح أعلاماً زاهية، كون فكرة العيد تعبر عن تلاحم المجموع العالمي، وانسجام مشاعر الكل في بوتقة واحدة، حتى أصبح الإنسان لا يميز بين الأفراح سوى أنها بهجة تسكن الضمير العالمي الواحد.
هذه الانفتاحية، هذه النافذة المفتوحة على المدى، تجعل العالم يردم بيت المشاعر المغلقة، ويبني على أثره بيت الحياة الثرية بمشاعر الحب، حب يشمل الجميع، حب يطوي عقوداً من الزمن كانت الخصوصية غرفة مغلقة، معتمة، تسودها الأنا المتضخمة، الأنا ذات الأقفال السميكة، الأنا المتجهمة في وجه الآخر.
في ليلة عيد العالم، جلتُ في الشوارع، وراقبت المشهد، بعين ملؤها الدهشة، كانت الحشود تتراكم مثل عناقيد العنب، كانت العناقيد تلك تترافق مع بعضها في مترادفات جميلة، عبرت عن خروج الإنسان من قفص الانعزالية، وولوجه محيط الانشراح، وبهجة المشاعر، وتوافق الذات مع الآخر، كما هي الدماء في الجسد الواحد.
وعندما تم إطلاق الألعاب النارية بألوانها الساحرة، وأشكالها المختلفة، ارتفعت الأصوات مثل تغاريد العصافير وهي عائدة إلى الأعشاش، شعرت بارتعاش ألّمت بيّ، وأحسست أن شيئاً ما تغير في داخلي، وأن جدول ماء بارد يخوض معتركه الوجودي في نفسي، شعرت بأن الأفكار عندما تتغير، تغير معها الثقافة، وعندما تتغير الثقافة تصبح الابتسامة بيتها المؤثث بأجمل المشاعر.
جموع من البشر جاؤوا من كل حدب، وجذب، وصوب، بلغات مختلفة، تضمهم ثقافة واحدة عالية المنسوب، ثقافة لونت الوجوه بلمعة زاهية كأنها صفحة النجمة، شعرت أن العالم في الـ2025 يدخل هذه الليلة عامه الوردي، وأن الذين جاؤوا للاحتفال بمجيء هذا الضيف السنوي، إنما جاؤوا ليقولوا للعزلة ولي إلى غير رجعة، يقولون لاحتكار ثقافة ضيقة، أذهبوا إلى الجحيم، فها نحن نعيش في بلد حول الابتسامة إلى وسادة استرخاء، والفرحة خيمة للدفء، والأفكار خلايا نحل تتقطر أجنحتها شهداً، والثقافة محيط يطوق مشاعر العالم بأهداب مخملية، رخيمة كأنها صوت الأم الرؤوم.
في ليلة العيد غنت الغيمة محتفلة بأصوات الصغار، وهم ينشدون باسم الحياة، حياة الشفافية التي انتهجتها دولة عربية إنسانية أسمها الإمارات.
في ليلة العيد شعرت بأن أصوات الصغار تبشر بعالم جديد، يرفل بمعطف الحب، عالم له سمات الملائكة، عالم له صفات الفراشات، وهي تحوم حول أكمام الزهور، لتقطف العطر، فتنتشي.
انتشيت، وانتعشت أواصري، وترعرعت فكرة في داخلي، مفادها بأن هذا الجيل، هم الرجال الذين سيقودون مراحل تالية، ملؤها التسامح، والتفاؤل، ومشاعرهم هي التي سوف تحدق في الفضاء، بألوان الفرح، مشاعر كما هي الألعاب النارية الناصعة، تسكن وجدان الناس أجمعين.
وكل عام والعالم بألف خير ومحبة، وسلام، ووئام.
كل عام وأمتنا العربية بستان فرح، ونماء وانتماء إلى الخير.