(خليجنا واحد) جملة لها وقع الموجة على سواحل الخليج العربي، ولها ترنيمة النورس وهو يغطس في اللجة بحثاً عن زعنفة تبلل القلب واللسان، ولها بوح موال ينتصب عند دكة سفينة تشرع للسفر نحو المدى.
(خليجنا واحد) كلمتان مثل موجتين توشوشان في المسامع، وترسلان النشيد عالياً، لأجل وطن امتدت أغصانه نحو الأفق، فبدا في العالم شهاباً يمتد شعاعه من الأرض حتى شغاف الغيمة، هناك حيث ترتل السماء آية أمطارها، وحيث تسكب القطنة الفضية رحيق عطائها.
(خليجنا واحد) كلمة، ترادفها أخرى في مسعى لحبكة روائية عبر التاريخ، معجمها من وهج الابتسامات التي تعلو الوجوه، تلك الوجوه التي غنت لأجل غواص مد الساعدين نحو الأزرق الغامق، واعتلى صدر السفينة، مبتهلاً لله تعالى لما أسدى وأعطى، ومنح ببذخ فاض كأنه الجدول في عروق النخلة المبجلة، واليوم إذ تأتلف القلوب على محيط المستديرة، كرمز لشفافية الروح، واحتمالات ما بعد الرياضة من حب وولاء لوطن كبير اسمه مجلس التعاون، هذا الجمع، هذا اللمع، هذا السمع، وهذا البصر، نراه اليوم في عيون الرجال، والنساء، وهم يحملون وريقات لوزة التاريخ العظيمة، ست بلدان في بلد واحد، وستة أوطان في وطن واحد، وها نحن نتابع النشيد، وهو يمتد في تلافيف المدى، ها نحن نسمع صيحات كأنها تغاريد الطير، تقارع الرعد وهو يحلب صدر الغيمة، تقارع البرق وهو يمسح على وجنة التراب النبيل، بلمسة ود، ولطف، وعطف، والندف هي تلك القطرات التي تسح على الجباه السمر، مستمرئة هذا الوجود الزاهي، هذا اللقاء الباهي، هذا التجمع الخليجي الفذ، والناس أجمعين يقفون إجلالاً لصرح كأنه الجبل الأشم، وقلعة كأنها الشعاع الممتد من تراب الأيام، حتى تاريخ الحياة.
ليست الدورة الخليجية مجرد رياضة عابرة، بل هي تعبر عن نهج خليجي سبق الوجود بوجوده، رياضة لها تقاليد أهل هذا المكان، وما يفيضون به من حب للسان الماء وما يتبعه من جبال تطوق العنق والنسق، وتمنح المشاعر قوة المعنى، لأن وحدة الخليج العربي ليست طارئة، بل هي من نسيج دم ولحم، وتاريخ يزخر بالمعطيات، وجغرافيا تمتلئ، بمظاهر التلاقي، وسيماء لها نزع التلاحم منذ بدء الخلق، وهي العلاقة الوجودية، هي الانسجام بين ست من الدر النفيس على أعطاف الزمان، أتين، ومن سبر التاريخ ملكن المشاعر، حتى أصبحت المشاعر، أهداب حرير يطوق الأرواح، ويمنح القلوب دفق الشرايين.
اليوم ونحن نتابع دورة الخليج الرياضية، نشعر بالسعادة ونحن نستأنس لهذه السواعد التي ترتفع مشجعة. للرياضة مذاق الزنجبيل عندما تشتد المنافسة بين الأشقاء، وعندما يركل الجميع الأنا الضيقة، ويرتفع صوت الذات المتوحدة في كأس خليجي عربي، واحد، لا يدانيه طرف، ولا يساويه حرف، إنه الوعي بأهمية أن نكون معاً، وأن تصير المنطقة، باحة زرع، وأن تكون النظرة إلى الكل، كما هي التأمل في فنجان قهوة عربية، يفوح عطرها الأخاذ من بين شفتين، كأنهما ضفتين تعانقان نهر المحبة.