بعد الإنجاز التاريخي لمنتخب المغرب بوصوله للمربع الذهبي لمونديال قطر قبل سنتين، قال أحد خبراء كرة القدم الألمانية بتواضع الكبار: «التجربة المغربية يمكن أن تكون لنا ملهمة»، وقال آخر من دون أدنى مركب للتعالي: «هذا الفريق المغربي لم يأت من عدم، إنه نتاج لمشروع تمثل في تنزيله كل شروط النجاح».
وبعد الإنجاز الرائع للمنتخب المغربي في أولمبياد باريس، وقد بات أول منتخب عربي يحرز الميدالية البرونزية، قال أصحاب التحليل الموضوعي والمنطقي الذي لا تطاله ذرة واحدة من العاطفة: «كل الذين قالوا بعد الإنجاز المونديالي، إن وصول المغرب للمربع الذهبي كان من صنع الحظ، أيقنوا اليوم أن ما تحقق هو ثمرة رؤية متقدمة جداً جرى تنزيلها بطريقة بالغة الدقة والاحترافية، من اليوم لابد من وضع كرة القدم المغربية ضمن أفضل عشر رؤى متقدمة في العالم».
كل هؤلاء، وغيرهم ممن قادهم الشك ذات لحظة إلى اليقين الثابت، لم يحفروا خنادق ليخرجوا منها تحريفات لحقائق دامغة، تمويهاً للذات وبيعاً للوهم، وأبداً لم يحشروا أنفسهم في جزئيات لا تصنع الأساس والمقوم الفكري للمشروع، فماذا يهم إن كان هؤلاء الأُسود الذين فاجأوا العالم ببلوغهم المربع الذهبي لمونديال قطر، قد جاء أكثرهم من مراكز تكوين أوروبية، والقليل القليل منهم من صناعة مغربية؟
يكمن الفارق الكبير في التحليل، والذي يصعب معه كل قياس، في أن بعض الزملاء الذين عالجوا خسارة المنتخب المصري من شقيقه المغربي في النهائي البرونزي للأولمبياد بسداسية نظيفة، جنحوا في ذلك إلى جزئية لا تنطق أبداً بحقيقة الفوارق، أن 90 بالمائة من تشكيل المنتخب الأولمبي المغربي، لاعبون جرى تكوينهم بنواد أوروبية، وبالتالي لا يمكن الحديث عن مشروع كروي مغربي يمكن أن يكون مصدر إلهام للغير، من دون حاجة لتصحيح حقيقة النسبة، سأدل هؤلاء على حقيقتين: أولاهما أن المنتخبات المغربية، ومنذ عقدين من الزمن، وهي تتشكل في غالبيتهما العظمى من لاعبين تكويناتهم أوروبية، ولكنها لم تحقق حتى عشرة بالمائة مما أنجز بمونديال قطر وبأولمبياد باريس، فما كان قبل قطر وباريس، محرقة للآمال والأحلام، الواحدة تقود للتي تليها.
ثانيهما، أن منتخبات السيدات لمختلف الأعمار نجحت في وقت قياسي في تحقيق العالمية باقتدار، وهي مشكلة بنسبة عالية جداً من سيدات وفتيات جرى تكوينهن بالمغرب، بل إن منتخب المغرب للصالات المحتكر للقب العربي ثلاث مرات متتالية، والمستحوذ على اللقب الأفريقي لثلاث نسخ متتالية، والذي بلغ ثمن نهائي النسخة السابقة للمونديال، ويستعد لدخول نسخة أوزبكستان واحداً من أفضل 10 منتخبات في العالم، ومرشحاً بقوة للمنافسة على اللقب العالمي، هو صناعة مغربية خالصة بلاعبيه ومنظومة لعبه، ومهندسه الفني.
لتكون خاتمة هذا التفتيش الموضوعي في خبايا النجاح، ما كتبه زميلي الإعلامي القدير حسن المستكاوي، تعليقاً على جدل الشواهد، ومعلقاً على محاورة بيني وبينه، «اذهبوا إلى المغرب، وشاهدوا، وتعرفوا إلى المشروع، واعرفوا يعني إيه المشروع!».