صعدت امرأة الى قمة جبل الخوف في بلادها غير مكترثة بالترهيب والمحاذير، وكان المترددون يراقبون صعودها مثل شعلة من النور تتلاشى تدريجيا في الغموض المظلم للنفس البشرية، حيث لم يسبق لاحد من قبل ان كشف لهؤلاء ضعفهم الداخلي وشلل عقولهم الحذرة. وبعد ثلاث ليال نزلت تلك المرأة متدثرة بفرو الذئاب في يدها صولجان النار وتنبع من عيونها قوة التحدي وقهر المستحيل، حتى ان اهل السفح صاروا ينحنون لمرورها واتخذوها رمزا ذهبيا للحلم بالنصر.
وقف النجار عاجزا ومشلولا قرب ابواب الحديد في المدينة المحصنة بالحذر والخوف. وحين فكر ان يطرق الباب تألمت روحه وانجرحت ذكرياته البعيدة حين كان الناس يتركون ابواب بيوتهم مفتوحة طوال اليوم ولا يهابون شيئا، ثم جاء الغرباء فرادى ثم جماعات جماعات. عندها ارتفعت الاسوار اعلى من الاشجار وتغلفت النوافذ بالقضبان والمسامير. ولم تعد الحبيبة تطل من وراء ستائر الحرير ولم يعد العاشق يقف تحت شباكها في ضوء القمر. والابواب الخشبية لم تعد تصلح حتى للخرائب والبيوت المهجورة. والنجار صار شحاتا في مدن الحديد ولم يجد غريبا يطعمه ولا نهرا يرويه.
خرج الاسد من غابة الأمان وقرر ان يعبر النهر الى الجهة المعادية لعله يظفر بالسلم ويوحد طوائف الاختلاف وينزع فتيلة الفتن. لكن التماسيح صدته وهي تبكي، والثعلب دس مسمارا في منتصف الطريق وادمى خطوته الثانية. ثم لدغته الافعى من وراء شجرة وغيرت اتجاه بوصلته حتى عاد مكانه الاول ثخينا مجهدا. وفي كتب الحيوان قيل ان القرد كان سببا في تطاحن الوعول وان النسر هو الذي سرق بيض السلحفاة من حفرة الأمل الخاوية.
كان الرجال قد استوطنوا الكهوف قديما وشيدوا حول مداخلها اعمدة الشوك لطرد وصد ورد الوحوش الضارية. وكانت النساء اول من انتبهن لدوران القمر وراء الجبل وعودته من جديد ناقصا ونحيلا من خلف السهول البعيدة. وكان الأطفال اول من تسلقوا التلال واول من حفروا بيت الخنفساء. ثم هبّت الريح القوية واقتلعت أشجار الصبر من جفافها الابدي وبثت الرعب في قلوب الجميع ولكن لم يهابها العصفور. في تلك السنين البعيدة كانت المرأة تطلق موالها الحزين ليلا جالسة على صخرة الشموخ. والعاشق يراقبها من بعيد من ثقب مزمار.
جاء الاعمى ضاحكا قافزا من حفلة الظلام وسقط قبل الجميع في حفرة الندم. ثم جلس المتحمس محتارا يقلده ام يتبع المنسيين في رحلة الوقوف الطويل امام باب الحرية المغلق. ثم الظلال ملّت وغادرت اصحابها، ولم يبق في الجيوب سوى الفراغ ومفتاح الصدأ الثقيل.
akhozam@yahoo.com