لا أدري هل كان من سوء حظه أم حظي أن يكون موضع مقعدي في ذلك المنتدى، والذي استمرت جلساته لفترتين طوال اليوم، على يسار أحدهم، خصوصاً بعد أن فرض هذا الموقع فرصة لرؤية شاشة «الآيباد» الخاص به، والذي كان يستخدمه طوال وقت الجلسات بلا تردد. وأقول: من سوء حظي كونه شغلني عن متابعة الجلسات بحركة يده السريعة في تقليب صفحات في مقالات باللغتين العربية والانجليزية حول نفس موضوع الجلسة التي نحن بصددها، ثم يقوم بتدوين ملاحظات يستعرضها لاحقاً على شكل تعقيبات إضافية بأرقام أو معلومات أو طرح أسئلة متخصصة جداً على صاحب الورقة المقدمة!
لم يترك ذاك الرجل جلسة، مهما كان نوعها، إلا وكان له نفس النهج في التعليق والإضافة، فحصل على إعجاب الجميع بعد أن ظهر بالشخص العارف الملم بكل شي، وأعتقد أن هذا كل ما أراده! كان هذا من سنوات طويلة، حيث اعتبر التصفح عبر الإنترنت محدوداً بين المتخصصين الذين يتمكنون من اللغة الإنجليزية، وممن لديهم قدرة على استخدام مفاتيح الكلمات المناسبة لاصطياد الموضوع والفقرة المنشودة بسرعة معقولة. أسترجع تلك الحادثة ونحن أمام عالم «جيميني» آخر ما توصل له هذا الذكاء الاصطناعي في تقديم المعلومات والأرقام والصور والرسوم البيانية ومقاطع الفيديو، وكل ما يمكن توقعه ولا تتوقعه وترغب به إذا أردت أن تكون مثل ذلك الذي كان يجلس على يميني، فقط بضغطة زر.
إننا نعيش وقتاً غير مسبوق يقدم وبسهولة كل التميّز لمن أراد أن يبدو بمظهر العالم العارف المتخصص المتمكن، ولكن لأي درجة يبدو هذا حقيقياً وذا جدوى؟ والجدوى التي أقصدها هنا الإضافة العملية التي سيقدمها، أياً كان، باستعراضه للمعلومات والأرقام التي منحها إياه «Gemini» أو «ChatGPT». إن تبسيط المهام التي كانت تتطلب جهداً متخصصاً في الحصول عليها، سواء كانت معلومة أو رقماً أو نسبة، يجعلنا نقفز على أهمية نقدها للتأكد من صحتها أولاً، وثانياً وهو المهم، عدم الاهتمام الجاد بتطبيقها في حل المشكلات كما يجب أن يفعل المتخصصون. كما أن ذلك يولد شعوراً زائفاً بالكفاءة والقدرة على التأثير بمجرد قراءة واستعراض معلومات أو أرقام، الأمر الذي يعزز السطحية ويضرب في عمق التخصص والخبرة اللازمين للتطور، التي لا أعتقد أن الذي كان على يميني أسهم فيها.