هذه العبارة التي هلكنا بها الأولون؛ «أكبر منك بيوم، أفهم عنك بسنة»، أعتقد آن الأوان لها أن تنمحي من قاموسنا، وتختفي من مفردات يومنا الذي لا تكفي له 24 ساعة من اللهاث والعجلة وحجم المعلومات وغزير المعرفة في شتى مناحي الحياة، ومحاولة محاربة المبغضين، ومحاباة المحبين، وخلق شخصية متعاونة مع الوقت والزمن والناس المعاصرين.
اليوم.. الشاب، فيما يخص حياته الجديدة والعصرية، هو أقدر على التعامل مع كل ما يخصها، وبسرعة وحرفية أكثر من أستاذ في الجامعة، ويعرف من مستجداتها وتطوراتها أكثر من معلمه، ليس من منظور أنه أصغر وهم أكبر، ولكن لأن معادلة السن ما عادت تنفع مع سرعة حضور الأشياء، وتدفق المعرفة، ومن يفهم أكثر يستطع أن يصل أسرع، ومن يصل أسرع فهو من يمتلك المعرفة التي ما زالت هي القوة، وغيرها تفاصيل.
كيف يمكن لتلك العبارة البائدة أن تستقيم في عصر الرقمنة، رجل كامل الأهلية ولديه نقود سائلة، ولكنه يجهل تصريفها وتحويلها وتحريكها بربحية بطريقة رقمية تتعامل معها كل المصارف في كل مكان، وبسرعة فائقة، فيطلب من فرد أصغر منه، يقوم بتلك العمليات بدلاً منه، هذا واقع الحال حين نتحدث عن الأمور المادية والمجهودات العقلية، أما حين نتحدث عن تربية وأخلاق ومعرفة للقيم، وجهد عضلي بحاجة لخبرة زمنية، فلنا أن نتساهل ونقدم العمر كمقياس للتفاضل، لكن حياتنا المعاصرة حرقت المراحل، وجعلت الصغير يقفز ثلاث خطوات نحو الأمام، وأعطت الكبير تلك القفزة الوحيدة، والتي يمكن أن تتأخر للوراء.
لذا.. رجاء، بعد هذا العمر المديد في مجالدة الحياة ومعرفة نواحيها وأقاصيها وخبرة أهلها وناسها، ومحاولة موازنة الأشياء، أتمنى أن لا نسمع في وقتنا الرقمي تلك العبارة المستندة على ما خط في الرقيم القديم؛ «أكبر منك بيوم، أفهم عنك بسنة»، تراها صارت مجحفة في حق الجيل الجديد لحساب الجيل القديم! 
علينا أن نفحص ونمحص المصطلحات القديمة، ولا نجعلها تسيّر حياتنا الجديدة، فالمغالطات إذا ما استمرت تراها تهدم طرق التفكير الجديد، وتعطل خطط النهوض باتجاه المستقبل، خلاص.. تكفينا أمثلة قديمة تظل مثل الثقل على أكتافنا التي تحب الطيران، والانتقال الخفيف نحو الأشياء بشفافية عالية دون أحمال النصوص المتواترة القديمة.