الله يعينّا على ما ابتلينا به من إزعاجات ومضايقات أولئك الملاحقين للناس ليل نهار باتصالاتهم التي لا تأتي إلا حَزّة صلاة الجمعة أو عقب صحن غداء مجبوس الهامور أو يقطعون صباحيتك الجميلة مع فطور بنت العون، أو تكون معدتك تؤلمك والقولون يحفزّها، وتتلقى اتصالاً من شخص يريد أن تعمل معه في العملة المشفرة، ويذكر لك اسمين «بيتكوين» وإخواتها، فتعتقد من ألم بطنك أنها أدوية مسكنة!
لا أدري متى ستنتهي معاناة الكثير من الناس المحاصرين بالبائعين لبضائع ليست مطلوبة، والمروجين لأجهزة غير ضرورية، وسماسرة العقار من كل مكان، والذين لا أعرف من أين حصلوا على أرقام عباد، لا تقولون لي: «والله يجربون الأرقام بالصدفة»، مثل ما كانت أيام المغازلة النسائية القديمة، حين تقول لك الواحدة: «والله بالصدفة جالسة أدق على رقم صديقتي، وطلعلي رقمك»، فيفزّ قلبك من مكانه؛ مُرَحِباً بها وبصديقتها، بصراحة.. أرقامنا مبيوعة مع «الداتا»، ولا يمكن أن يقنعني أحد بغير ذلك، لأن هناك شركات متنافسة تتصل بك الواحدة عقب الأخرى، وكل واحد من أولئك المكلفين بالاتصال أول ما يبادرك بالقول: «والله وجدنا رقمك مسجل ضمن قائمة المهتمين بمشروعنا العقاري، والذي عائده الاستثماري أكثر من 25 في المائة» ومن هذا الخريط البارد، فإذا خجلت منه، وبديت تكذب وهو يصدق كذبك الذي يعجبه، قائلاً له: «والله كان عندي اهتمام، لكن الآن ليست لدي رغبة أو اشتريت عقاراً»، فسيدخل معك في حوار ممل، وإن قلت وتعلثت له بأسباب يراها واهية، فسيطلب منك أن تعطيه ميزانيتك ليجد لك الشيء المناسب وفق ميزانيتك، وإن ألجمته برد صريح: «للأسف لم أسجل أي اهتمام، ولا أعرف شركتكم الموقرة، ورقمي لا أحد يعرفه غير زوجتي»، فسيتعذر بلباقة، وبعد سويعات ستتصل بك زميلته على أساس أنها لا تدري شيئاً عن حواركما، فإن أعجبتك، وأعجبتك رمستها، وقلت لها: «هل يمكن أن أزور المشروع على أرض الواقع»، فستقول لك: «سيتصل بك رئيس المبيعات لتحديد الزيارة، ومرافقتك في مشروعنا الرائد».
المهم هؤلاء المترصدون والملاحقون لنا ليل نهار، يمكن أن يبيعوا لك «تانكي» غير قابل للصدأ، ولا «يشبّي»، ويبرّد صيفاً، ويسخّن شتاء، طارد للقطط والفئران والحشرات الزاحفة، ويمكن إن رأوك مهتماً بشراء «شاحوف» اقترحوا عليك يخت 120 قدماً، وإن كنت تريد شقة غرفة وصالة، عرضوا عليك «سكاي فيلا»، فتقوم أنت وتعاف الأوليّ والتالي.
هناك المروجون المتخصصون في علاج حب الشباب الذي انتهى مع الجدري، ومن زمان الحب في زمن الكوليرا، الذين ما زالوا يعصرون لك الكريم، مرة بشذرات الذهب، ومرة برمل البطين، ومرة أخرى من الكافيار، وكأننا وجدنا الكافيار، وفاض عنّا، «نحن لاقين نأكله علشان نحطّه على غزوزنا»!
آخر المروجين الخطرين، هؤلاء لا يتصلون، بل يتعاملون بالواتساب، مرسلين لك رسالة نصية: «أنا فلان الفلاني، لدي حشيش نقي من المزرعة الخاصة» فإن كنت على وجهك، وفي سبحانيتك، خاصة بعد أن ترى اسمه أنه فلان الفلاني، فتعتقد فوراً أنه اسم مألوف لديك، وأنه يبيع حشيشاً للحديقة، وربما هو أفضل من الأسترالي أو الأميركي الموجود وأرخص، ولما تصل معه في الحوار إلى الكلمة المشتركة «كريستال»، تتراجع خطوات سريعة للوراء، ثم ترشّه بتلك الكلمة الإنجليزية الجامعة المانعة «بلوك».. نصيحتي إذا ما عملت لهؤلاء المترصدين المتتبعين شركات الاتصال، المؤذين ليل نهار «بلوك»، أرجوك لمصلحتك، ورأفة بأعصابك أعمل لهم «بلوك» في الحال والتو، وإلا ستظل تعاني في يومك طوال النهار والليل.