التسامح.. كلمة بحجم الفضاء الإنساني، وهو المساحة التي تضم الضلوع في صدر الإنسان، هو ذاك الوعي المؤدلج بفضيلة النسائم التي تخرج من بين طيات الوجود، وهو ذاك الحلم البشري منذ أن تطور الوعي الإنساني عبر قرون مضت حتى حطت طائرته عند العام 1789م، حيث قامت ثورة التنوير في فرنسا، وأيقظت كل من به صمم بأن الحرية منبعها التسامح، وأن العدالة مكانها يكمن في لغة التعاطي مع الآخر من دون أفكار منغصة، ومن نفايات تاريخية تعرقل الطريق إلى التضامن مع الآخر، وبناء جسور التواصل، بحفاوة، وتقدير واحترام.
التسامح هو وعي الإنسان بأهمية أن نكون معاً في اتجاه الحياة، وناحية المستقبل، كتفاً بكتف نسير إلى تحقيق الطموحات، وإنجاز المشروعات، وصناعة الفرح، وإنتاج كل ما يجعل الإنسان يعيش تحت مظلة حلم السعادة، والعلم بأهمية أن تصبح الحياة سجادة باذخة، مترفة بالحب، تفيض بحرير الشفافية.
في الإمارات يبدو التسامح كأنه الغيمة التي تملأ أفنية الحياة بالمطر، وتبدو العلاقة مع الآخر كأنها الموجة البيضاء ناصعة، من غير سوء.
في الإمارات تبنى العلاقة بين الناس أجمعين، مثلما تحاك قماشة الستر، إنها العلاقة المندمجة بالدفء، وحنان يملأ جعبة الأفئدة.
مئات الجنسيات تعيش على هذه الأرض، وثقافات متعددة كأجنحة الطير المحلق في السماء، ومنمنمات من اللغات تنثر أنفاس الذين يعيشون بأمان وطمأنينة، على أرض الإمارات، تشعر وأنت تسير في الشارع، كأنك أمام لوحة تشكيلية تلونها الوجوه بجمال التنوع، والاختلاف الجميل، وهذا الوطن وعاء الجمال، وهو خيط الباقة الزهرية الذي يطوق الألوان المختلفة في أيقونة لونية ورائحة عبقة لها شذا الطبيعة ودفء أمنا الأرض.
في الإمارات الأشياء تسير الهوينا، على تراب تطهره لغة التسامح وتعطره برائحة التكاتف من أجل واقع مخملي، واقع يتمتع بأحلى معاني الانسجام، حيث الابتسامة هي مخمل هذا التطابق، وحيث السكينة عنوان مجتمع ألِف أن يكون في حضرة التسامح، كوناً بالغ السعة، يصون قدسية الإنسان في المرافق، ومنازل العمل، ومناطق التسوق، وفي كل زاوية وركن ترى هذا التنوع يزخرف الأمكنة، ويرسخ قواعد التلاقي، ويفسح الطريق للحب كي يمر عبر قلوب مكنتها سياسة أهل الحكمة، والبراعة، ومهارة الإدارة من أن يكونوا في المكان كما هي خلايا النحل تبني سمعتها لأجل العسل المصفى، ولأجل لذة الحياة.
في الإمارات منذ الأزل ومركب السفر يمضي حقباً باتجاه الأفق محملاً بزاد الحياة، ولا زاد إلا الحب هو ذلك الترياق الذي يصنع أوطاناً من غير أرق، رغيفها من طين المشاعر الصافية، وتنّورها هو ذلك الوعي المؤطر بأحلام الناس الطيبين، وهكذا وطن لا بد وأن يرقى إلى المدى كأنه النجمة في السماء.