الابتكار المدمّر أو التخريبي مصطلح حظي باهتمام كبير في السنوات الأخيرة. ويشير الابتكار التخريبي إلى العملية التي يدخل من خلالها منتج أو خدمة أو تكنولوجيا جديدة إلى السوق ويعطل الصناعات أو الأسواق القائمة، وكما ينطبق المفهوم على الاقتصاد والتجارة والصناعات ينطبق كذلك على الشؤون السياسية والدبلوماسية العسكرية والأمنية والمجتمعية والثقافية... إلخ، وغالباً ما يبدأ الابتكار الثوري في الأسواق المتخصصة أو بمنتجات يُنظر إليها في البداية على أنها أقل جودة، وبمرور الوقت تتحسن هذه المنتجات أو الخدمات التخريبية، وتتجاوز في النهاية قدرات كل المنافسين، وتتحول لأنماط اعتيادية جديدة.
يقود الابتكار المدمّر إلى تحول في ديناميكيات السوق، ونزوح اللاعبين التقليديين، ولتطبيق ذلك على المجتمع على سبيل المثال تقدم حلول مبتكرة ظاهرها خير وباطنها باطل، ومع مرور الوقت تسحب البساط من القيم التقليدية للمجتمع، ويتم برمجته لاستقبال، وتقبل ما يريدونه أن يتقبل وتحويل أفراد المجتمع لدمى استهلاكية، وأن تتطلب الأمر تدمير مدن بأكملها ، والسيطرة التدريجية على مصادر التمكّن والتمكين للمجتمعات والأمم في دائرة شرسة للحروب الناعمة التي تمثل فيها المجتمعات عينات بحثية في بيئة متحكم بها تماماً.
فالجائحات والظواهر الكونية الأشد غرابة ستكون السمة السائدة لمستقبل البشرية، ولن تمر السنة الحالية دون عودة قوية لها، وهي أحد الأمثلة الأكثر شهرةً على الابتكار المدمّر.
ومن الأمثلة التقليدية ظهور التصوير الرقمي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد أن كان التصوير الفوتوغرافي للأفلام هو التكنولوجيا الوحيدة في صناعة التصوير الفوتوغرافي، ومع ذلك فشلت شركات، مثل «كوداك» في إدراك إمكانات التصوير الرقمي، وركزت على حماية أعمالها القائمة على الأفلام، وفي الوقت نفسه استثمرت شركات، مثل «كانون» و«نيكون» في تكنولوجيا الكاميرات الرقمية مستهدفةً في البداية السوق الاستهلاكية بكاميرات منخفضة الجودة. وبمرور الوقت، تحسنت جودة الكاميرات الرقمية، وتفوقت في النهاية على كاميرات الأفلام من حيث جودة الصورة وسهولة الاستخدام، ولكن ماذا يخبئ الذكاء الاصطناعي للتصوير الرقمي؟
لك أن تتصور ماذا يحدث عندما يستهدف النشء وتستهدف النخب في المجتمعات في كل المجالات، وكيف تجري عملية استبدال مقومات نهوض الأمم بأخرى مدمّرة، والعيش في فقاعات الاستثنائية والعالمية دون فهم ديناميكية إدارة التغيير غير التقليدية، ومتغيرات سوق العمل وسبل العيش، وندرة القوى البشرية القائدة في القطاع العام للنجاح في عصر العولمة التكنولوجية.
المشكلة تكمن في ضعف استيعاب أو إدراك أن إدارة المؤسسات لا ينبغي أن تدار وفق أدوات تعود إلى بدايات القرن الحادي والعشرين، أو الاكتفاء بإدراج مشاريع ذكاء اصطناعي تمثل الجيل الأول من ثورة الذكاء الاصطناعي، في ظل سباق محموم لا مكان فيه للأميين تقنياً الذين لا يدركون أنهم يعيشون في المستقبل، وأن كل ما تمر به البشرية هو شريط يُعاد لأحداث في الماضي والمستقبل بينها فاصل فقط في الفكر البشري!
إن إعادة تشكيل الوعي البشري مهمةٌ هي الأصعب لبناء الأمم المتفوقة، وجعل الآخرين تحت سيطرتها غير المباشرة، أو أن تكون في صفها أو أحد مواردها الاحتياطية من منتجات، أو خدمات أو تقنيات، أو سلوكيات وتوجهات وأفكار وقناعات لديها قدرة على أن تحل مكان ما يعتقد بأنه راسخ. ومن الضروري التركيز على احتياجات العملاء من الأشخاص والمجتمعات والدول المحرومة من أمور معينة، واستهداف وتلبية احتياجاتهم من خلال تقديم بديل أبسط أو أقل تكلفةً، أو أكثر ملائمةً وجاذبية لأساليب عيشهم، وتبدو وكأن لها مشاعر وتشبه شخصياتهم، والتركيز على الاحتياجات غير المعلنة والمستترة للعملاء، واستهداف شرائح تبحث عن الانتماء لكيان ما، وإنْ كان غير بشري على شاكلة تطبيق إلكتروني يتفاعل مع الشخص، ويغريه بالخيارات المتاحة لتعويض ما ينقصه في الواقع، أو تلبية حنين إلى ماضٍ معين أو بيئةٍ مرغوبة يصعب الوصول لها بالإمكانيات التي تتوفر للفرد، والشعور بالولاء والانتماء للمجتمعات التكنولوجية، وهي أمور لم تحدث بالصدفة، فلعلهم يتفكرون.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات