شهدت تصريحات أحمد الشرع، القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا، خلال مقابلته مع قناة «العربية»، تحولاً جذرياً في الخطاب السياسي السوري. هذه التصريحات حملت في طياتها رؤية طموحة ترسم ملامح مستقبل البلاد، متجاوزة عقلية الثورة نحو بناء دولة حديثة تتسم بالكفاءة والسيادة، مع مراعاة التحديات الإقليمية والدولية.

تصريحات الشرع حول تجنيب المنطقة حرباً إقليمية وكشفه عن خطط إسرائيلية للتدخل العسكري تسلط الضوء على إدراك القيادة الجديدة لتعقيدات المشهد الإقليمي. هذا الموقف يعكس فهماً عميقاً لديناميكيات الصراع في المنطقة، وسعياً لإعادة تعريف دور سوريا، بحيث تصبح عنصراً استراتيجياً للاستقرار، بعيداً عن الصراعات المباشرة. التركيز على هذا الجانب يعزز مكانة سوريا كشريك محتمل في تحقيق التوازن الإقليمي بدلاً من كونها ساحة للتجاذبات العسكرية. يشير تحول الخطاب من «الثورة» إلى «الدولة» إلى تغيير عميق في النهج السياسي للإدارة الجديدة. هذا التحول يتطلب إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس شمولية وفعالة تلبي تطلعات المواطنين السوريين. التحول من النهج الأيديولوجي إلى الواقعية السياسية يعكس رغبة في تعزيز الاستقرار والتنمية، مما يعكس إدراكاً لحاجة البلاد إلى تخطي حالة الانقسام التي عصفت بها لسنوات. العلاقة مع إيران تمثل نقطة محورية في رؤية الشرع، حيث أكد أهمية احترام سيادة سوريا ووضع حد لتصدير الثورة الإيرانية. هذا الموقف يعكس التزام الإدارة الجديدة بسياسة خارجية أكثر استقلالية، تعتمد على المصالح المشتركة مع القوى الإقليمية والدولية.

هذه الرؤية تمثل إعادة تموضع سياسي قد يساعد في تحسين العلاقات مع دول الجوار وفتح آفاق جديدة للتعاون مع دول مثل السعودية وروسيا، كما أشار الشرع. توحيد السلاح تحت سيطرة الدولة يعكس إدراكاً لأهمية إنهاء الفوضى العسكرية وبناء جيش وطني قوي. هذا النهج يتماشى مع ضرورة تأسيس بنية أمنية قادرة على حماية سيادة الدولة وتعزيز الاستقرار الداخلي. الترحيب باندماج قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في الجيش يمثل خطوة إيجابية نحو توحيد الجهود الوطنية وتعزيز اللحمة الداخلية.

الحديث عن عملية متعددة المراحل لاختيار رئيس الجمهورية يعكس رغبة في تحقيق شمولية سياسية تلبي تطلعات جميع مكونات الشعب السوري. هذا النهج، الذي يهدف إلى تجاوز مرحلة الاستفراد بالقرار السياسي، يشير إلى أن الإدارة الجديدة تسعى لتحقيق توازن سياسي يعزز الاستقرار على المدى الطويل.

أحد أبرز محاور رؤية الشرع كان رفض المحاصصة الطائفية والسياسية، التي وصفها بأنها نموذج فاشل في بعض دول المنطقة. بدلاً من ذلك، يدعو إلى نظام يرتكز على الكفاءة والخدمة العامة كمعيار أساسي لتقييم المسؤولين. هذا التوجه يمثل تحولاً نوعياً نحو بناء مؤسسات دولة حديثة تتسم بالكفاءة والفعالية، بعيداً عن الولاءات الضيقة والانقسامات الطائفية. النظام الذي يقترحه الشرع يعزز فرص بناء دولة عادلة وشاملة لجميع مكونات المجتمع السوري. والتركيز على الكفاءة يفتح المجال أمام الجميع للمساهمة في بناء الوطن، مما يعزز العدالة الاجتماعية، ويعيد الثقة بين مختلف الأطياف.

كما أن تجاوز نظام المحاصصة يتيح اتخاذ قرارات حاسمة بعيداً عن التعطيل الناتج عن المصالح الفئوية. رغم الطموح الذي تعكسه هذه الرؤية، يبقى نجاحها مرهوناً بقدرة القيادة السورية على التغلب على العقبات الداخلية والخارجية. إن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة يتطلب إرادة سياسية قوية وتعاوناً وثيقاً بين مختلف الأطراف، مع الحفاظ على توازن دقيق في العلاقات الإقليمية والدولية. تصريحات الشرع تقدم خريطة طريق طموحة لبناء سوريا جديدة تتمتع بالسيادة والتنمية. وتجاوز عقلية الثورة نحو بناء الدولة يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار المستدام.

مع ذلك، فإن هذه الرؤية تتطلب تعاوناً داخلياً وإقليمياً ودولياً لضمان تحقيق الأهداف المعلنة. ويبقى الأمل معقوداً على قدرة القيادة الجديدة على مواجهة التحديات المعقدة التي تواجه سوريا، مع ضمان مستقبل أفضل لجميع أبنائها.

* لواء ركن طيار متقاعد