لا شكَّ في أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد حقَّقت إنجازات استثنائية في مجال تمكين الشركات العائلية، إذ نجحت، عبر حزمة متكاملة من التشريعات والمحفِّزات الاقتصادية الابتكارية، في بناء بيئة استثمارية تضمن للشركات العائلية القائمة النمو والازدهار، وتجذب في الوقت نفسه كبرى الشركات العائلية العالمية. وقد أضحى هذا الإطار ركيزة محورية في هيكل الاقتصاد الوطني، مسهماً في تعزيز الاستدامة، وخلق فرص عمل متنوعة، ما رسَّخ دور الشركات العائلية رافداً أساسياً للاقتصاد الإماراتي.
غير أن هذه النجاحات الاستثنائية ظلَّت متركزة على دعم الشركات العائلية القائمة، واستقطاب نظيراتها الأجنبية، بينما بقيت العديد من العائلات الإماراتية خارج دائرة هذا الحراك الاقتصادي الديناميكي، وهنا يبرز تساؤل جوهري: لماذا لا تمتد منظومة تمكين الشركات العائلية لتشمل تأسيس شركة عائلية لكل عائلة إماراتية؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ ولماذا يشكِّل هذا التوجه ضرورة لا غنى عنها في مسيرة التنمية الاقتصادية؟
ويستدعي بلوغ هذه الغاية إحداث نقلة نوعية في أساليب التفكير والعمل، تتجاوز حدود الاكتفاء بدعم العائلات الراغبة أصلاً في تأسيس شركة عائلية، لتشمل كل عائلة إماراتية بغض الطرف عن مستواها المادي، أو خبراتها السابقة. وللوصول إلى هذه الغاية المطلوبة اجتماعياً واقتصادياً ينبغي تشكيل فريق وطني مؤهل، يضم نخبة من رجال دولة الإمارات ونسائها المتميِّزين بالكفاءة والمصداقية، ممَّن يحملون في جعبتهم خبرات اقتصادية واجتماعية عميقة، ويتفهَّمون العادات والتقاليد المحلية بعمق، إذ ينبغي لهذا الفريق أن يتسم بقدرة على التأثير المجتمعي، وبصدق الالتزام، وبمهارة التواصل الفعَّال والمثمر. 
ولأنَّ هذه النقلة تتطلَّب نهجاً استباقياً وغير تقليدي، فلن تقتصر مهمة هذا الفريق على تقديم إرشادات عامة، بل ستمتد لتشمل لقاءات فردية مع كل عائلة إماراتية لم تطرق باب تأسيس الشركات العائلية بعدُ، بُغية استكشاف احتياجاتها الفريدة، وقدراتها الكامنة، وتبديد مخاوفها، والاستماع إلى عوائقها المحتملة، سواء أكانت اجتماعية، أم موضوعية، أم غير ذلك، ثمَّ استنباط مكامن قوَّتها وفرصها. وتبعاً لهذه اللقاءات يُصاغ مخطط واقعي يُحفِّز هذه العائلة على تأسيس شركتها العائلية، وينتقل بها من موقع المستهلك إلى النجاح الاقتصادي، فموقع المشارك الفاعل في صناعته.
ويستمدُّ هذا الفريق إلهامه من تجربة تاريخية رائدة، تمثلت في الدور البارز الذي أدَّاه معالي أحمد خليفة السويدي، حين اختاره القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ليكون سفيراً وداعماً لمسيرة الاتحاد منذ انطلاقتها، باذلاً جهداً استثنائياً في نشر التعاون والتضامن، وبناء جسور الثقة بين العائلات والأقطار العربية. وبالمثل سيعمل الفريق الوطني على إحداث تحول جذري بحلول عام 2030، مستفيداً من برامج وطنية طموحة، على غرار برنامج «ثبات» لتحويل مئات المشروعات العائلية إلى شركات اقتصادية ريادية تعزز مكانة الدولة، إقليمياً وعالمياً.
وختاماً، فإن تمكين كل عائلة إماراتية من تأسيس شركتها العائلية لا يمثل مجرد إضافة رقمية إلى هيكل الاقتصاد الوطني، بل ضرورة لضمان التوازن الاقتصادي في ظل تنامي حضور الشركات الأجنبية في المنطقة، فضلاً عن كونه خطوة استراتيجية نحو بناء اقتصاد أكثر تنوُّعاً وشمولاً. وإن نجاحنا في تحقيق هذه الغاية سيؤسِّس لمرحلة جديدة من تماسك اجتماعي أمتن، ويعزز الانتماء الوطني، ويشق أمام الأجيال المقبلة آفاقاً أكثر رحابة، واضعاً دولة الإمارات في مصاف الدول الأكثر دينامية واستدامة وطموحاً.
*رئيس قسم البحوث الاقتصادية – دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي