ما يحدث في الحاضر هو تمهيد لشكل العالم في المستقبل القريب، وأبسط مثال على ذلك ما يحدث في سوريا وتصريحات الدول الكبرى حيال من كانت بالأمس أخطر المنظمات الإرهابية في العالم، وعن قائدها القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام المسلحة، وكيف يتحدث ذلك الشخص كسياسي محترف ومحنّك وكل كلمة تخرج منه بحساب وتتوافق مع توجهات الدول ذات العلاقة بالقضية السورية، والتي تفاجأت - بين قوسين - بسرعة سقوط النظام وبطريقة تحدث الجيلاني. والواضح أنه تم تدريبه على يد أفضل خبراء العالم، فتعامله مع الكاميرا لا يأتي من فراغ وتصريحاته كتبت منذ سنوات لهذه اللحظة على ما يبدو، وهي نقطة في بحر فيما يجري في العالم من أحداث ولا سيما عودة الحديث عن أوبئة تزحف بثبات لإيجاد موقع قدم في خريطة التغيرات في العالم، ناهيك عن الأحداث المناخية غير مسبوقة، وكل ما هو مثير للجدل في المجال التكنولوجي والتقني، والطبي والبيوحيوي، والاقتصادي والمالي واستخدامات الطاقة البديلة، وغيرها من التطورات.
في الحقيقة يجب ألا نصاب بالدهشة لما تؤول إليه الأمور اليوم. وعلى سبيل المثال حذرت الأمم المتحدة في عام 2018 بأن البشرية لديها 12 عاماً متبقية لتجنب تغير مناخي كارثي ونهاية هذا التحذير هو عام 2030، وأعتقد أن السنوات الخمس القادمة ستثبت بشكل أكثر اكتمالاً عدم أهمية فرض الحدود المادية بين الدول، وسوف يتدفق الناس والطقس والتجارة دون رادع عبر الحدود الدولية، مدعومةً بالنمو والتطور التكنولوجي والندرة وتغير المناخ، وستكون الكفاءة الثقافية عملة ذات قيمة متزايدة.
وقد يصل سكان العالم إلى قناعة بأن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم. ومن جانب آخر سيشهد العقد القادم طفرة تزيد على مائة ضعف في إنتاج العالم من البيانات الجينية البشرية، كما يعد «عصر الذكاء الاصطناعي» الوشيك بفوائد كبيرة وكذلك مخاطر أكبر، وإذا لم تتوقف البشرية عن متابعة تطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم سيكون العالم بحلول عام 2030 عام المواجهة المبدئية بين الإنسان والآلة.
وبحلول عام 2030 سيكون أي منزل جاهزاً للسكن في أراضٍ كانت خالية من المباني قبل أيام من توقيع عقد التملك، وستتوقف الدول عن بناء محطات نووية تقليدية، ونتوقع أن نرى ظهور مفاعلات نووية صغيرة، ويمكن إنتاج هذه المفاعلات المتقدمة بكميات كبيرة وشحنها بسهولة إلى أي مكان في العالم، ومفاعلات أصغر حجماً تُعرف باسم المفاعلات الدقيقة لإنتاج الإلكترونات في منشأة خاصة، كما سيشهد العالم تغييرات كبيرة في نمو السياحة الفضائية.
وسوف يصل الذكاء الاصطناعي إلى آفاق جديدة ليصبح جزءاً لا يتجزأ من القوى العاملة، حيث نرى الذكاء الاصطناعي والمساعدين الآليين يصبحون أعضاءً في فرقنا المهنية، ولابد هنا من ذكر حقيقة أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي سيحلان محل العديد من الوظائف، وستظهر أدوار جديدة لا يمكننا تخيلها بعد، وسيكون اقتصاد العمل المؤقت في كامل قوته، حيث يعمل الناس عن بُعد من جميع أنحاء العالم.
ستخضع مدننا أيضاً للتحول الخارق وستكون وسائل النقل كهربائية بالكامل مع سيارات وطائرات ذاتية القيادة، وأنظمة النقل العام التي تعمل بالطاقة المتجددة، وسيكون استخدام الطائرات من دون طيار لخدمة العملاء هو السائد، ولن يدفع أحد لخدمات الإنترنت أو امتلاك هاتف خلوي، وفي مجال الرعاية الصحية سيكون الأطباء قادرين على تصميم العلاجات وفقاً للتركيبة الجينية الفريدة للمريض، وسيتم استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء جميع أنواع الأطراف الاصطناعية وحتى البدائل التي يمكن أن تحل محل الأعضاء.
كما ستصبح وسائل التواصل الاجتماعي شيئاً من الماضي، وسيتم استبدالها بتجارب الواقع الافتراضي المدمج بالتقنيات الأخرى والذي سيصبح واقع العديد من البشر، مما يجعل تجاربنا وتفاعلاتنا مع العالم من حولنا أكثر إثارةً كوجود المربي أو المربية الإلكترونية، وسيكون حضورهم طاغياً في البيوت إلى جانب إنترنت الأشياء، وهذا المستقبل سوف يأتي في وقت أقرب مما نتخيل.
*كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات