كان تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أمراً مستهجناً من طرف الكثيرين، لأسباب عديدة ليس أقلها أنه استند إلى معلومات كاذبة، وأنه يعرّض ملايين من أكثر الأشخاص ضعفاً في العالم للخطر. وإذا كنتَ تعتقد أن انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان كان سيئاً، ففكر في الفوضى والموت منذ الانسحاب المفاجئ لهذه الإدارة من العالم بأسره. وبدلاً من إنهاء المشاريع بطريقة مسؤولة، غادرت الحكومة الأميركية تاركةً وراءَها ديوناً والتزاماتٍ ومتخليةً عن عمال الإغاثة الأميركيين في مناطق النزاع.
وعلى الرغم من أن قاضياً فيدرالياً منح USAID طوق نجاة مؤقتاً، فإن المساعدات الخارجية كما نعرفها قد انتهت.

وبينما قد تتم استعادة بعض العقود تحت إشراف وزارة الخارجية، فمن غير المرجح أن تعود الحكومة الأميركية، أكبر مانح في العالم وفقاً للبيانات الأخيرة، إلى مستويات تمويلها السابقة في أي وقت قريب. لكن هذا لا يعني أن علينا الاستسلام في محاولتنا لمساعدة الدول الأخرى. ينبغي على المهتمين بدور أميركا في العالم أن يضعوا رؤية جديدة لما يمكن أن تكون عليه المساعدات الخارجية.لا يزال الجهد المبذول لإعادة صياغة نظام المساعدات الخارجية في مراحله الأولى، لكن هناك شيئاً واضحاً: يجب أن تكون أكثر كفاءة وأقل بيروقراطية. ينبغي أن تستند إلى شراكات تستجيب للاحتياجات المحلية، وليس إلى قرارات تصدر من واشنطن.

وفي بعض الأحيان، ستمولها التبرعات الخاصة بدلاً من أموال دافعي الضرائب. لقد بدأ نقاش عام بالفعل حول هذا الموضوع، على سبيل المثال، تعمل مجموعة «أنلوك إيد» Unlock Aid، التي تحاول إصلاح نظام المساعدات الخارجية منذ سنوات، على بلورة سلسلة من الأفكار الجديدة هذا الشهر.
والخطوة الأولى هي الاعتراف بأن النظام القديم كان يعاني من عيوب. ومن المؤكد أن ملايين الأرواح قد تم إنقاذها خلال المجاعات والأوبئة. لكن لنكن صادقين؛ فقد كانت USAID في بعض الأحيان غير فعالة ومهدِرة للموارد. من الصعب الحديث عن ذلك لأن مثل هذه الاعترافات تُستغل كأدوات ضد فكرة المساعدات الخارجية نفسها، لكن بناء نموذج أفضل يتطلب المواجهة مع الأخطاء السابقة. جزء من اللوم يقع على الكونجرس، الذي حمّل USAID لوائح تنظيمية مرهقة.

ونتيجة لذلك، تدفقت المنح والعقود عاماً بعد آخر إلى نفس المؤسسات الأميركية الضخمة التي أتقنت فن الحصول على التمويل الفيدرالي. في السنة المالية الماضية، ذهب فقط نحو 2 مليار دولار - من عشرات المليارات - مباشرةً إلى الشركاء المحليين على الأرض. أما الجزء الأكبر من الأموال، فتم توجيهه عبر منظمات دولية مثل البنك الدولي، أو عبر منظمات غير ربحية وشركات أميركية كبرى تنفق ما يصل إلى نصف ميزانياتها على التكاليف الإدارية مثل الإيجارات والرواتب في الولايات المتحدة.
وتشمل أبرز الجهات المستفيدة من أموال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية منظمة خدمات الإغاثة الكاثوليكية Catholic Relief Services، ومقرها بالتيمور، والتي تحظى بتقدير كبير لعملها، وشركة كيمونيكس Chemonics، وهي شركة ربحية مقرها واشنطن، وغالباً لا تحظى بنفس المستوى من الثقة. هذه المنظمات تدفع للشركاء المحليين حول العالم للعمل نيابةً عن USAID، لكن الأمور لا تسير دائماً بشكل جيد.
ووفقاً لأحد الاستطلاعات، فإن العديد من الشركاء المحليين الذين عملوا بموجب عقود فرعية مع USAID قالوا إنهم بالكاد استُشيروا في وضع الميزانيات وخطط العمل، ولم يتلقوا المبالغ التي وُعدوا بها. والمجموعات المحلية أكثر كفاءة من حيث التكلفة وأكثر معرفة باحتياجات مجتمعاتها. كما أنها تبقى في الميدان لفترة طويلة بعد مغادرة العمال الأجانب. لجعل المساعدات الخارجية أكثر كفاءةً وفعالية، يجب تقليل دور الوسطاء متى أمكن ذلك. وهذا ما طالب به قادة الجنوب العالمي لعقود.

وهو ما وُعِدوا به في عام 2016، عندما اتفقت الجهات المانحة الدولية، بما في ذلك USAID، على تخصيص 25% من تمويلها للمنظمات المحلية بحلول عام 2020. لكن USAID لم تحقق هذا الهدف عندما تم إغلاقها هذا العام.
كان إغلاق USAID بمثابة ضربة قاسية للجميع في مجالها، لكن التفاوتات في النظام ما زالت قائمة. المنظمات الأميركية الكبرى التي حصلت على أكبر قدر من تمويل الوكالة هي الأقدر على تجاوز الأزمة. استُعيدت منح بعضها، بينما يجتذب بعضُها الآخر أموالَ المؤسسات. أما الشركاء المحليون فهم الذين يعانون الآن، وهم مضطرون لشرح سبب توقف المشاريع فجأة لأولئك الذين يعتمدون عليها.
على المدى القصير، ينبغي على الأميركيين الذين يهتمون بالمساعدات الخارجية التبرع مباشرةً للمنظمات المحلية التي كانت تتلقى تمويلاً من USAIS، أو لصناديق الطوارئ التي تم إنشاؤها لدعمها. كما ينبغي دعم المنصات الإلكترونية التي تخدم المجموعات المحلية، مثل Kuja وموقع SmartResponse.org التابع لمشروع المساءلة عن الكوارث Disaster Accountability Project.
لكن على المدى الطويل، يجب أن يكون التعامل مع المساعدات بطريقة مختلفة تماماً. يجب أن تتضمن المشاريع استراتيجيات واضحة للخروج والتمويل الذاتي من البداية. وينبغي تشجيع المشاريع التي تولِّد دخلاً لدعم الأنشطة الإنسانية، وليس رفضها.
على سبيل المثال، تدير د. ديقو محمد، وهي طبيبة نسائية صومالية أميركية، مستشفى وعيادة متنقلة في أرض الصومال، حيث تتقاضى رسوماً رمزية من المرضى. تُستخدم هذه الأموال لدفع أجور القابلات والأطباء المحليين، مما يتيح لهم كسب لقمة العيش. وهذا يعني أيضاً أن المستشفى والعيادة لا يحتاجان إلى الاعتماد على عمال الإغاثة الأجانب الذين غالباً ما يغادرون عندما تصبح الأوضاع الأمنية غير مستقرة. لكن المشكلة أن الصوماليين اعتادوا على تلقي الخدمات الطبية مجاناً من الأجانب، وهو ما يحتاج إلى تغيير، كما تقول: «يجب أن يكون التغيير من الجانبين، وليس فقط من المنظمات الدولية».
كما يجب على المانحين من القطاع الخاص أيضاً التفكير بشكل مختلف. يجب أن يدركوا أن أكبر تأثير لهم يكون عندما يمكّنون القادة المحليين، كما تفعل صناديق مثل NEAR وصندوق الرؤية الأفريقية African Visionary Fund. صحيح أن أي جهة مانحة خاصة لن تستطيع سد الفراغ الذي خلفه إغلاق USAID، لكن العمل الخيري الخاص يمكن أن يساعد العديد من المجموعات على البقاء بمبالغ صغيرة نسبياً.
مع تراجع كرم الحكومة الأميركية وزيادة نفوذ دول الجنوب، يجب أن تتغير المساعدات الخارجية، لكن لا ينبغي أن نترك مناهضي الوكالة الأميركية للتنمية يحددون رؤيتنا لما يمكن أن تكون عليه.


فرح ستوكمان*
*صحفية أميركية
 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»