بفضل رؤية حكومتنا الرشيدة تسير دولتنا بخُطى ثابتة نحو التطور الصناعي في مختلف المجالات، وهو ما يعزز مكانتها مركزاً عالميّاً للابتكار والتنمية المستدامة، فالمزج بين البحث العلمي والإنتاج المحلي صار ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الصناعي، وهما هدفان يتماشيان مع استراتيجية الدولة لتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة.
وعلى سبيل المثال، تشهد إمارة الشارقة مشروعات متميزة في مجال الأمن الغذائي، مثل زراعة القمح وإنتاج الألبان، تمثل نموذجاً ناجحاً للتنمية المستدامة، ولم تُعد هذه المشروعات مجرد تجارب زراعية، بل أصبحت جزءاً من استراتيجية متكاملة تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، فالاستثمار في التكنولوجيا الزراعية الحديثة، مثل أنظمة الري الذكية والزراعة العمودية، يعزز من كفاءة الإنتاج، ويضمن الاستدامة البيئية.
وفي مجال التصنيع تبرز مبادرات رائدة، مثل «صُنِعَ في الإمارات»، التي تعكس طموح الدولة في تحقيق الاكتفاء الصناعي وتعزيز الإنتاج المحلي، لا لتلبية احتياجات السوق المحلية فقط، وإنما للمنافسة العالمية أيضاً، فالتحول إلى اقتصاد قائم على التصنيع يتطلب دعم البحث العلمي، إذ لا يمكن تحقيق الاستقلالية الصناعية من دون الاستثمار في العلوم التطبيقية والابتكار التكنولوجي.
ولتعزيز دور البحث العلمي في هذه المعادلة، فإن إنتاج المعرفة الوطنية بأيدٍ محلية وتحويلها إلى صناعات ومنتجات ذات قيمة محلية وعالمية يمثلان الهدف الأساسي لجهود البحث والتطوير، فالبحث العلمي ليس مجرد أداة للإبداع، بل هو قوة ناعمة تدفع عجلة التنمية المستدامة، إذ إن تطوير مواد جديدة، وتحسين العمليات الإنتاجية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في التصنيع، كلها عوامل تسهم في رفع كفاءة القطاع الصناعي وتعزيز تنافسيته.
إن ربط البحث العلمي بقطاعي الزراعة والصناعة يعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات المستقبلية، سواء كانت متعلقة بالأمن الغذائي أو بالأمن المعرفي، فكلما زاد الاستثمار في البحث والابتكار، زادت فرص تحقيق الاكتفاء الذاتي وخلق فرص عمل جديدة في القطاعات الحيوية.

وتشير التجارب العالمية إلى أن الدول التي تستثمر استثماراً استراتيجيّاً في البحث العلمي والابتكار تحقق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، وتتمتع بقدرة كبرى على التعامل مع الأزمات الاقتصادية والصحية، فعلى سبيل المثال تُعد كوريا الجنوبية وألمانيا من الدول التي استطاعت تحقيق نهضتين هائلتين، صناعية واقتصادية، عبر دعم البحث والتطوير وربطهما بالصناعة المحلية.
إن مقولة: «نأكل ممّا نزرع ونصنع مما نبحث» ليست مجرد شعار، بل رؤية استراتيجية تُجسد النهج المستدام لدولتنا في بناء اقتصاد قوي ومستدام يعتمد على المعرفة والابتكار، ويعزز مكانتها دولةً رائدةً في التنمية الشاملة. إن العمل على دعم البحث العلمي وربطه مباشرة بالقطاعات الإنتاجية سيؤدي إلى تحقيق قفزات نوعية في مختلف المجالات، ويجعل الإمارات نموذجاً يُحتذى به عالميّاً، فكل استثمار في البحث والتطوير هو استثمار في المستقبل، وكل تقدم في الصناعة والزراعة هو خطوة نحو تعزيز الاستقلالية الاقتصادية وضمان حياة فُضلى للأجيال المقبلة.
ومن هنا، فإن على القطاعين الحكومي والخاص العمل معاً على دعم البحث العلمي وتمويل المشروعات الابتكارية التي تسهم في تطوير الاقتصاد المحلي. كما أن تعزيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الصناعي قد يسرّع تحويل البحوث إلى منتجات قابلة للتسويق، وهو ما يعزز تنافسية الدولة على المستوى العالمي. 

أ.د غانم كشواني*
*أمين سر جمعية الباحثين