الاغتراب الاجتماعي ظاهرة أصبحت تطل علينا في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة حتمية للتحولات التكنولوجية والحضارية، وتغيير معطيات الحياة، وتأثيرها بصورة مباشرة في تزايد لجوء الإنسان إلى العزلة الفردية.
يشير الاغتراب الاجتماعي إلى شعور الفرد بالانفصال عن محيطه المجتمعي؛ وهو ما يؤدي إلى حدوث حالة من التفكك الاجتماعي، ويفقد الفرد شعوره بالانتماء للمجتمع. ومن أهم أنواع الاغتراب الاجتماعي نجد الاغتراب الأسري حين تفقد الأسرة دورها الطبيعي في التربية والربط بين الأجيال، وتعزيز الانتماء والثقافة الوطنية. 
مجتمعنا الإماراتي يتميز منذ نشأته التاريخية بترابطه الاجتماعي والأسري القوي، وهنا تحيطنا مجموعة من التساؤلات المهمة بشأن مدى تأثره بهذه الظاهرة؟ وهل يمكن أن ننظر إلى الاغتراب الاجتماعي داخل المجتمع الإماراتي بأنه ظاهرة قائمة، أم أنه مجرد مقدمات قد تتفاقم في المستقبل مع تزايد درجات العزلة الفردية الناتجة من المنظومة التكنولوجية الحديثة؟ وكيف يمكن لنا أن نحمي المجتمع الإماراتي من تأثيره السلبي تحقيقاً للأمن المجتمعي؟
وفي السنوات الأخيرة شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة نهضة حضارية فريدة ومتميزة؛ وهو ما كان له أثر كبير في طبيعة العلاقات الأسرية. ومن أهم تداعيات أنماط الحياة الحديثة انشغال الوالدين بالعمل والاعتماد المفرط على التكنولوجيا؛ وهو ما أدى إلى انخفاض حجم التفاعل والتواصل الأسري المباشر وشكله. كما أن اعتماد الأُسَر على العمالة المنزلية في كل تفاصيل حياة الطفل، حتى الجانب العاطفي منها، يزيد من تداعيات ضعف التواصل الأسري. 
من هنا ندرك أننا نرصد حالات من الاغتراب الاجتماعي والأسري في المجتمع الإماراتي. لكن الاغتراب الاجتماعي والأسري في المجتمع الإماراتي لم يرتقِ بَعْد إلى مستوى الظاهرة، بيد أن هذا لا يمنعنا من أن ندرك أننا نقف على عتبة تحول هذا الاغتراب إلى ظاهرة في المستقبل القريب.
ولتحقيق الأمن الاجتماعي، والحماية من مظاهر الاغتراب الاجتماعي، وتحقيق أهداف عام المجتمع 2025 الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لا بد أن نعي ضرورة تعاون الأسرة بصورة عميقة ومباشرة مع المؤسسات كافة في الدولة بغية تحقيق هذه الحماية. 
ولا بد كذلك من تعزيز القيم الأسرية، ورفع حجم التواصل الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة، وتخصيص أوقات للتواصل المباشر بين أفراد العائلة بحيث تكون هذه الأوقات خالية من المظاهر التكنولوجية، ومخصصة فقط للجانبَين العاطفي والإنساني، والتواصل المادي والنفسي والعاطفي الفعال؛ إذ إن هذا هو السلوك الأكثر أهمية وتأثيراً في حماية المجتمع. 
وكل هذا يجب أن يقترن بما تحرص عليه قيادتنا الرشيدة في خططها الرامية إلى تعزيز الهوية الوطنية، والترابط المجتمعي والأسري، وحماية الأمن المجتمعي، من خلال التعليم والفعاليات المجتمعية التي تنظمها مؤسسات الدولة المعنية وجمعيات النفع العام من أجل تعزيز مقدرات الصحة النفسية للأفراد.
وفي النهاية يمكن النظر إلى الاغتراب الاجتماعي، وخاصة الأسري، بأنه تحدٍّ يواجه المجتمع الإماراتي في ظل هذه التغيرات الحضارية المتسارعة؛ لكننا نؤكد أنه لم يصل بَعْد إلى مستوى الظاهرة؛ ولذلك فإنه يحتاج إلى المراقبة، والدراسة، والتدخل المبكر. 
وعن طريق تعزيز التماسك الاجتماعي، وتفعيل القيم الأسرية والثقافة الوطنية، يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تظل النموذج الأمثل للمجتمع المتماسك والمتوازن الذي يحقق الأمن المجتمعي، ويحمي أفراده من أخطار الاغتراب الاجتماعي.

 د. شما بنت محمد بن  خالد آل نهيان*
باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذة زائرة بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذة زائرة بجامعة الإمارات العربية المتحدة.