أعلنت إسرائيل انسحابها رسمياً من مجلس حقوق الإنسان، في السادس من فبراير الماضي، متذرعةً بـ«تحيز المجلس ضد إسرائيل» وتركيزه المزعوم على مهاجمتها. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: «هناك تمييز واضح ضد إسرائيل في المجلس». وجاء القرار الإسرائيلي بعد إعلان واشنطن انسحابَها من المجلس. فلطالما كانت العلاقة بين إسرائيل ومجلس حقوق الإنسان منذ إنشائه متوترةً، ويعتبر البند 7 المعنون «حالة حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى» عنصراً مدرجاً باستمرار في جدول أعمال المجلس، إذ يناقش المجلس كل ثلاثة أشهر الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من قبل القوة القائمة بالاحتلال (أي إسرائيل)، كما يقوم المجلس بتعيين المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

ولطالما سعت الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية لإسقاط البند السابع من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان. وصدر في 13 مارس الجاري تقرير من لجنة تحقيق دولية مستقلة مستمرة للتحقيق داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل إسرائيل، وجاء فيه أن إسرائيل استخدمت، بشكل متزايد، العنفَ الجنسي والإنجابي وأشكالاً أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد الفلسطينيين «كجزء من جهد أوسع لتقويض حقهم في تقرير المصير، وارتكبت أعمالَ إبادة جماعية من خلال التدمير المنهجي لمرافق الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية».

ورافقت إصدارَ التقرير وعرضَه أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، في دورته المنعقدة حالياً، جلساتُ استماع عامة عُقدت يومي 11 و12 مارس الجاري، استمعت خلالها اللجنة إلى ضحايا وشهود العنف الجنسي والإنجابي وإلى شهادات العاملين الطبيين الذين ساعدوهم، بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني وأكاديميين ومحامين وخبراء طبيين. ويوثق التقريرُ «مجموعة واسعة من الانتهاكات» المرتكبة ضد النساء والرجال والفتيات والفتيان الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، منذ 7 أكتوبر 2023.

ووفقاً للتقرير، فإن هذه الانتهاكات «تشكل عنصراً رئيسياً في سوء معاملة الفلسطينيين وتعد جزءاً من الاحتلال غير القانوني واضطهاد الفلسطينيين كمجموعة». وخلص التقرير إلى أن العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي، الذي ارتفعت وتيرته وتزايدت شدته، يتم ارتكابه في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة «كاستراتيجية حرب لإسرائيل بغية السيطرة على الشعب الفلسطيني وتدميره». وبالطبع، فقد رفضت إسرائيل «بشكل قاطع» الاتهامات وأدان رئيسُ وزرائها بنيامين نتنياهو التحقيقَ ووصفه بـ«السخيف» وبأنه «عارٍ من الصحة». ووصف مجلس حقوق الإنسان بـ«السيرك المناهض لإسرائيل»، متهماً إياه بمهاجمة إسرائيل.

وكان مجلس حقوق الإنسان قد اعتمد، في 27 مايو 2021، قراراً ينشئ «لجنةَ تحقيق دولية مستقلة مستمرة للتحقيق داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل إسرائيل، في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني وجميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي سبقت 13 أبريل 2021 ووقعت منذ هذا التاريخ». وتم تكليف لجنة التحقيق بتقديم تقرير إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة على أساس سنوي. وتعود الاتهامات الأممية من جديد لتضيف المزيدَ من تقارير الإدانة الدولية ضد إسرائيل بارتكاب انتهاكات حقوقية صارخة للشعب الفلسطيني، فيما تواصل سلوكها متهربةً من المساءلة ومن توفير العدالة للضحايا.

* كاتبة إماراتية