ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية بعلاقات استراتيجية متينة شهدت تطورات مكثّفة خلال العقود الماضية، مدفوعة برؤية قيادتَي الدولتين لتعزيز الشراكة الثنائية في مختلف المجالات. 
وقد جاء الاتصال الهاتفي الذي تلقاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في 24 مارس من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليعكس استمرار التنسيق الثنائي، حيث بحث الطرفان سُبُل تعزيز التعاون الثنائي بما يخدم المصالح الاستراتيجية المشتركة.
وقد أسست الإمارات وروسيا علاقاتهما الدبلوماسية منذ عام 1971، وشهدت هذه العلاقات تطوراً ملحوظاً، لا سيما مع إعلان الشراكة الاستراتيجية في عام 2018، حيث تعزّز التعاون المشترك في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية، انطلاقاً من حرصهما على توطيد هذه الشراكة من خلال قمم وزيارات متبادلة، جسّدت التزامهما بتعزيز التعاون على أعلى المستويات استناداً إلى قيم ومبادئ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهو ما جعل الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الروسية نموذجاً متميزاً في الساحة الدولية.
 وفي ظل بيئة دولية تتّسم بالاضطراب والتوتر، فقد كان للدبلوماسية الإماراتية أدوارٌ بارزة في الوساطات الدولية لتهدئة الصراعات وتسوية النزاعات، لا سيما في النزاع الروسي الأوكراني. ومنذ بداية الأزمة، تكلّلت جهود الدولة بتسهيل 13 عملية تبادل للأسرى بين الطرفين، شملت أكثر من 3233 أسيراً حتى مارس 2025. وقد أعلنت الإمارات في 19 مارس، نجاح وساطتها في إتمام عملية تبادل جديدة ضمت 175 أسيراً من كل جانب. وبينما عزّز ذلك الجهود الدولية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، فإنه على جانب آخر عكس مكانة الإمارات كقوة دبلوماسية مؤثرة تحظى بتقدير دولي، خاصة أن هذه الوساطات مثلت نموذجاً للدور الفاعل الذي تلعبه الإمارات في إحلال السلام، كما جسّدت نهجها القائم على الحوار والدبلوماسية لحل النزاعات.
وعلى الصعيد الاقتصادي، شهدت العلاقات بين الإمارات وروسيا نمواً لافتاً في السنوات الأخيرة. ففي عام 2022، بلغ حجم التبادل التجاري 9 مليارات دولار، وارتفع بنسبة 63% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 ليصل إلى 8.8 مليار دولار. وبحلول عام 2024، تجاوز إجمالي التجارة بين البلدين 10 مليارات دولار، ما يعكس تنامي مظاهر التعاون الثنائي، خاصة أن الإمارات تُعد الشريك التجاري الخليجي الأكبر لروسيا، حيث تستحوذ على 55% من إجمالي التجارة الروسية لدول مجلس التعاون، وتتصدر الإمارات قائمة الدول العربية في استقبال الاستثمارات الروسية. كما شهد التعاون الاقتصادي بين أبوظبي وموسكو توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تشمل قطاعات متنوعة مثل الطاقة المتجددة والصناعة والخدمات اللوجستية.
وتُعد الإمارات أكبر مستثمر عربي في روسيا، إذ تسهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية هناك. وتشمل مجالات التعاون الرئيسية الخدمات اللوجستية، والتصنيع، والزراعة، والنقل، والطاقة، إضافة إلى العمل على تطوير ممر تجاري من الشمال إلى الجنوب يربط الدولتين. وتشمل الاستثمارات الإماراتية في روسيا الاتحادية قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية، مما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية بين الدولتين.
وتمتد الشراكة بين الإمارات وروسيا إلى مجالات حيوية أخرى مثل الفضاء، حيث شهد التعاون بين الجانبين تطوراً ملحوظاً في هذا القطاع. كما يتبنى الطرفان مواقف متقاربة بشأن القضايا الدولية، مثل مكافحة الإرهاب وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، إضافة إلى دعمهما للاستقرار الإقليمي والدولي من خلال تبني نهج متعدد الأطراف في حل النزاعات. وفي مجال الطاقة، تشارك الدولتان في مشاريع استراتيجية، حيث يُعد التعاون في قطاع النفط والغاز أحد أهم دعائم العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، فضلاً عن المشاريع المشتركة في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة.
وبذلك، تعكس العلاقات الإماراتية الروسية نموذجاً فريداً في التعاون الدولي، حيث تستند إلى المصالح الاستراتيجية المشتركة والاحترام المتبادل. ومع استمرار تطوير هذه الشراكة، من المتوقع أن تشهد مجالات جديدة من التعاون، ما يعزّز مكانة الدولتين على الساحة العالمية ويدعم مصالحهما الاستراتيجية في المستقبل. كما أن التنسيق المستمر بين الدولتين في القضايا الإقليمية والدولية يعكس حرصهما على تعزيز الاستقرار العالمي، وهو ما يؤكد أهمية هذه العلاقة الاستراتيجية التي تمتد إلى مجالات متعددة، من الاقتصاد إلى السياسة والدبلوماسية الدولية.