في عالم يشهد تحولات تكنولوجية واجتماعية وبيئية غير مسبوقة، تتجلى الثقافة رابطاً أساسياً يصل الماضي بالحاضر، ويرسم ملامح المستقبل. وفي هذا السياق، تستعد أبوظبي لاستضافة الدورة السابعة من القمة الثقافية في الفترة من 27 إلى 29 أبريل 2025، في منارة السعديات الواقعة بقلب المنطقة الثقافية بأبوظبي. وتحمل القمة شعار «الثقافة لأجل الإنسانية وما بعد»، لتؤكد الرابط الجوهري بين الثقافة والإنسانية، وسط مرحلة طغت عليها تغيرات متسارعة أثارت شعوراً بالحذر تجاه المستقبل، حيث تهدف هذه القمة إلى إطلاق حوار جماعي يعيد النظر في مفهوم تحرر الإنسان والإنسانية، ويبحث عن أسس مشتركة لبناء مستقبل مستدام.
وتكتسب الثقافة، بمفهومها الواسع والشامل، مكانةً مركزية في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ضمن إطار رؤية سموه الاستراتيجية المتكاملة لمستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة أبوظبي. وقد تجلى هذا الموقف في قول سموه: «نحن في دولة الإمارات نعتبر العلم والثقافة جزءاً لا يتجزأ من إرثنا الحضاري، ومن العملية التنموية، ومن بناء الإنسان والهوية المنفتحة الواثقة بنفسها، دون أن تتنكر لقيمها وأصالتها وتراثها».
وبفضل هذا الفكر الرؤيوي، استطاعت دولة الإمارات أن تتبوأ مكانةً مرموقةً منارةً حضاريةً وثقافيةً، ومركزاً إشعاعاً فكرياً يعزز قيم التعايش والإبداع. وهذا الإنجاز ليس مجرد نتاج لمشاريع مادية، بل هو ثمرة رؤية متكاملة تجمع بين احترام التراث والتطلع إلى المستقبل، ما جعل دولة الإمارات أنموذجاً يُحتذى به في بناء مجتمع مزدهر يقوم على العلم والثقافة ركائز للتنمية المستدامة.
وتنعقد القمة الثقافية، في دورتها السابعة، بتنظيم مشترك مع نخبة من المؤسسات العالمية الرائدة، منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وإيكونوميست إمباكت، ومتحف التصميم، وجوجل، ومتحف ومؤسسة سولومون آر جوجنهايم، وأكاديمية التسجيل، إلى جانب شركاء آخرين مثل إيمج نيشن أبوظبي، والاتحاد الدولي لمجالس الفنون والوكالات الثقافية، والمجمّع الثقافي، وذا ناشيونال، ونادي مدريد، وبيت العائلة الإبراهيمية، ومتحف اللوفر أبوظبي، وبيركلي أبوظبي، وأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، والمعهد الفرنسي. وتجمع قمة أبوظبي الثقافية نخبةً من قادة الصناعات الثقافية والإبداعية لمناقشة واستكشاف أفضل السبل التي تمكِّن الثقافة من إحداث تغيير إيجابي في المجتمعات على مستوى العالم، ولاستكشاف كيفية مواءمة الثقافة مع هذه التحولات لبناء مستقبل قوي، مع التركيز على ثلاثة محاور رئيسية: «إعادة صياغة المشهد الثقافي»، و«الحدود الجديدة لبيئة ما بعد الإنسان»، و«أطر جديدة لإعادة تعريف الثقافة لأجل الإنسانية وما بعد»، حيث تبرز أهمية التعاون الإبداعي والنهج العالمي في تعزيز المرونة والشمولية والاستدامة.
ولم يكن اختيار منارة السعديات موقعاً للقمة عشوائياً، فهي تقع في مركز المنطقة الثقافية بأبوظبي، التي تضم معالم بارزة مثل متحف اللوفر أبوظبي ومتحف زايد الوطني. ويعكس هذا الموقع التزام أبوظبي بتكريس مكانتها وجهةً ثقافيةً عالميةً، تجمع بين التراث العربي الأصيل والرؤى المستقبلية، وتؤكد استضافتها للقمة على دورها منصةَ حوار عالمية تسهم في صياغة الأفكار المؤثرة في القرن الحادي والعشرين.
وتُعد الدورة السابعة من القمة الثقافية محطة فارقة في مسيرة الحوار الثقافي العالمي، بمواضيعها الطموحة ومشاركيها، حيث تسعى القمة إلى إعادة تعريف دور الثقافة في عالم متسارع التغيير، لتتجاوز كونها مجرد انعكاس للواقع، إلى تحوِّلها أداةً فاعلةً في تشكيل المستقبل.وفي ظل التحديات البيئية والاجتماعية التي يواجهها العالم، تبرز الثقافة عنصراً محورياً في دعم الاستدامة. ومن خلال تعزيز الوعي الجمعي، وتفعيل الحوار بين الحضارات، وتحفيز الإبداع، تستطيع الثقافة أن تقود مبادرات تتخطى الحلول التقنية التقليدية. وبهذا، لا تقتصر القمة على كونها منتدىً فكريّاً، بل تتجاوز ذلك لتصبح منصة عملية تسعى لوضع دعائم لسياسات ثقافية تدعم التنمية المستدامة، وتعزز التعايش الإنساني.