يمثل رأس المال الاجتماعي المحرك الأساسي للتنمية المستدامة، ويعتمد على الموارد الكامنة في شبكات الثقة والعلاقات الاجتماعية المتكونة في المجتمعات، التي تعزز التعاون وتحقيق الأهداف المشتركة في عصر التحولات السريعة الذي يتميز بالتقدم التكنولوجي، والتغيرات الاجتماعية، والاقتصادية. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة يُعد رأس المال الاجتماعي عنصراً محورياً في الخطط التنموية الطموحة، بما ينسجم مع رؤية «نحن الإمارات 2031».
ومع التقدم التكنولوجي، وزيادة الاعتماد على المنصات الرقمية، يواجه رأس المال الاجتماعي تحديات جديدة، مثل قلة التفاعل الاجتماعي، وزيادة العزلة الاجتماعية. وبرغم ذلك، استطاعت دولة الإمارات التكيف مع هذه التحديات، عبر تطوير بنية تحتية رقمية متقدمة، وخدمات ذكية تعزز التفاعل الاجتماعي، وتسهم في رفع مستوى مؤشر تلاحم المجتمع الإماراتي، وفي ذلك احتلت دولة الإمارات المركز الثاني عام 2024 عالمياً بصفتها أفضل دولة في الاستعداد الرقمي.
ومن الناحية الاقتصادية، يمثل رأس المال الاجتماعي ركيزة أساسية لاستدامة النمو في عام 2024، إذ حصدت دولة الإمارات المركز الأول عالمياً في قائمة الدول الأكثر استقراراً اقتصادياً، وصُنِّف الاقتصاد الإماراتي بأنه الأكثر تنافسية بين اقتصادات الدول العربية، ما يدل على جاذبية الاقتصاد الإماراتي للمستثمرين الأجانب. وإضافة إلى ذلك، فقد حققت دولة الإمارات صدارة عالمية في 223 مؤشراً للتنافسية العالمية، واحتلت المركز الثاني عالمياً في الأداء الاقتصادي. كما حافظت دولة الإمارات على المركز الأول عربياً، وتقدمت خمسة مراكز إلى المرتبة الـ17 عالمياً في تقرير تنافسية المواهب 2024 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية، متفوقةً على بعض الاقتصادات المتقدمة مثل: كندا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة المتحدة، وهذا ما يظهر مدى نجاح الدولة في دمج مبادئ التنوع والشمولية، وتعزيز رأس المال الاجتماعي عن طريق تحسين العلاقات بين الموظفين والعملاء والمجتمعات المحيطة، وبناء بيئة اجتماعية واقتصادية مترابطة تقوم على قيم التعاون والثقة.
أما من الناحية الاجتماعية، فقد احتلت دولة الإمارات المركز الثالث على مستوى العالم في الثقة بأداء الحكومات، بحسب مؤشر الثقة العالمي لعام 2024، ما يعكس مدى تميز دولة الإمارات في بناء بيئة اجتماعية تدعم بناء رأس المال الاجتماعي، وتعزز قيم التماسك المجتمعي. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فقد قدمت دولة الإمارات نموذجاً فريداً للاستدامة في هذا المجال، بفضل سياسات مبتكرة تجمع بين تعزيز الهوية الوطنية، والانفتاح الثقافي، ونجحت في بناء مجتمع يضم أكثر من 200 جنسية، ما يعزز رأس المال الاجتماعي عبر التعايش السلمي، والاحترام المتبادل، وقبول الآخر.
وختاماً، تُعد دولة الإمارات نموذجاً عالمياً في استدامة رأس المال الاجتماعي؛ بفضل سياسات شاملة تعزز الاستثمار في رأس المال البشري، والتماسك الاجتماعي، والتكيف مع التحولات العالمية، للحفاظ على مكانتها شريكاً عالمياً، ومركزاً اقتصادياً جاذباً ومؤثراً، وهذا ما يَظهر جلياً في مؤشرات الأمان والثقة المجتمعية، إذ تحتل الدولة المراكز الأولى عربياً وعالمياً.
*أستاذ مساعد في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية