أخيراً، وبعد مخاض عسير دام أكثر من عامين؛ انُتخب العماد جوزيف عون ليتولى مقعد الرئاسة، وليكون الرئيس الـ14 للبنان، ذلك المقعد الذي ظل شاغراً منذ 31 أكتوبر 2202 بعد انتهاء ولاية ميشيل عون.
ولم يكن انتخاب الرئيس مسألة يسيرة، حيث لم يتمكن المجلس النيابي خلال مرحلة الفراغ الرئاسي التي طالت من انتخاب رئيس جديد بالرغم من عقده 12 جلسة خُصصت لهذا الشأن، ثم إن عملية التوافق على انتخاب العماد عون كانت عسيرة أيضاً. ففي الجولة الأولى من جلسة المجلس النيابي، لم يتمكن من الحصول على أغلبية ثلثي أصوات المقترعين، أي 86 صوتاً، لكن الجولة الثانية كانت حاسمة بحصوله على 91 صوتاً، وذلك بحضور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وسفراء اللجنة الخماسية المعنية بمتابعة ملف الرئاسة.
بالطبع، حاول البعض تعطيل انتخاب الرئيس الجديد، باعتبار انتخابه غير دستوري بوصفه يتولى وظيفة «فئة أولى»، مما يوجب، وفق الدستور، استقالته قبل عامين من انتخابه، إلا إن سابقة انتخاب العماد ميشال سليمان عام 2008 - الذي كان حينها أيضاً قائداً للجيش - كانت حاسمة، وهو ما أسهم في وصول العماد جوزيف عون إلى قصر بعبدا. لكن يجب أن لا ننسى أن الأمر لم يكن ليتم بسهولة لولا الإصرار العربي والموقف الدولي على وضع حد لمعاناة لبنان دولة وشعباً.
وفي ظل القضايا الشائكة التي يعيشها لبنان وتحيط به؛ فإن أمام الرئيس الجديد مهام جسيمة، على صعيد العمل لوقف الحرب في الجنوب، واستعادة هيبة الدولة ومؤسساتها كي تقوم بما تلكأت عنه طوال أعوام من معالجة للأزمات الداخلية المتفاقمة، وفي النهاية استعادة وجه لبنان المشرق وهويته العربية. والأهم أن يؤكد استعادة الدولة لكامل صلاحياتها وسيادتها على ترابها الوطني، ونزع سلاح الميلشيات التي كانت سبباً رئيسياً فيما آلت إليه الأوضاع في لبنان وتسببت في الفراغ الدستوري، وتعطل مظاهر الحياة كافة، حتى تحولت حياة اللبنانيين إلى جحيم في ظل غلاء المعيشة، وتدهور قيمة العملة، وانقطاع الكهرباء، وشح الوقود والغاز.
والجميع يعلم أن الميلشيات المسلحة لعبت بمصير لبنان الذي كان رهينة بيدِ قوى خارجية، زجت به في حرب مدمرة. وقد آن الأوان لأن تنتهي كل الفوضى الذي تسببت به. ألا يكفي ما عاناه الشعب اللبناني منذ ما يقارب نصف قرن عندما نهشته الحرب الأهلية منتصف سبعينيات القرن الماضي، ثم أضحى يخرج من مأزق إلى آخر، ومن أزمة إلى أخرى أكبر. وبالرغم من الجهود العربية والإقليمية التي حاولت تخليص لبنان؛ إلا أن الظروف لم تكن مواتية لوضع حد لكل ما كان يحدث فيه. واليوم تأتي ذلك الانفراج كي يستعيد لبنان عافيته.
على المستوى الشخصي، لا أستطيع أن أخفي حقيقة مشاعري تجاه بيروت وأهلها، وظني أنني في ما سأقول يعبر عن مشاعر أكثر الإماراتيين.
فدعونا نتفاءل بالعماد جوزيف عون رئيساً، وهو الذي ينال احترام الدول العربية، كما يحظى بتقدير دولي كونه شخصية تتمتّع بمواصفات مهمة تمكنه من الحفاظ على موقع الرئاسة أولاً، وعلى لبنان وشعبه كذلك، وهنا لا نملك إلا أن نحمل كل الأمنيات الطيبة للبنان وللشعب اللبناني كي يجتازوا تلك المرحلة الصعبة والدقيقة من تاريخهم، وهذا بالتأكيد يتطلب من الجميع الوعي وتحمل المسؤولية. وما نأمله في القريب العاجل أن يستتب الأمن، ويستقر البلد، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. وما إن يبدأ لبنان بالتعافي سيعود رويداً رويداً إلى ما كان عليه قبل أن تعصف به رياح الحروب والاقتتال.