أخيراً أصبح للبنان رئيس، بعد أن غلب التشاؤم على بعضهم بأن أزمة الشغور الرئاسي قد تضرب الرقم القياسي لمدة الشغور الرئاسي في لبنان، والذي سُجل في أزمة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، والتي امتدت لـ 29 شهراً من مايو 2014 إلى أكتوبر 2016 عندما تم انتخاب ميشال عون رئيساً، بينما طالت الأزمة هذه المرة 27 شهراً فقط، وقد كان هناك تفاؤل حذر بأن جلسة مجلس النواب اللبناني يوم 9 يناير لن تنتهي قبل انتخاب رئيس، وكان مبعث التفاؤل هو جسامة التغيرات التي شهدها لبنان والمنطقة، وبالذات في الشهور الأخيرة، اعتباراً من بداية العمليات الإسرائيلية النوعية ضد «حزب الله» في سبتمبر الماضي، وانتهاءً بإسقاط نظام بشار الأسد، ذلك أن هذه التغيرات قد طالت موازين القوى الداخلية في لبنان والإقليمية في المنطقة، وكان منطقياً أن تنعكس على تفكير أطراف الأزمة اللبنانية المحليين والإقليميين والدوليين.
وبالفعل أشارت تقارير عديدة إلى ضغوط خارجية مورست على الأطراف التي يمكن أن تعترض على تسوية أزمة الشغور الرئاسي بالطريقة التي تمت بها، ومن المؤكد أن الأطراف اللبنانية المحلية قد تفهمت أن ما آلت إليه الأمور في المنطقة، انتهاءً بإسقاط نظام الأسد، لابد وأن ينعكس على الداخل اللبناني. وعموماً فقد أصبح للبنان رئيسه الرابع عشر العماد جوزيف عون الذي بدا قوياً واثقاً في الخطاب الشامل الذي ألقاه بعد انتخابه، وكان بمثابة خطة عمل كاملة لسنوات ست سوف تستغرقها رئاسته تصدى فيها لقضايا العمل الوطني اللبناني كافة، وتبنى فيها مواقف شديدة الوضوح تجاه هذه القضايا، بما فيها أكثرها حساسية، وهي احتكار الدولة للسلاح، فهل ينجح عون في الوفاء بوعوده، كما وردت في خطابه الرئاسي الأول؟
لا شك أن مهمته ستكون بالغة الصعوبة، وهي بطبيعة الحال ليست مهمته وحده، فالنظام اللبناني كما هو معلوم ليس نظاماً رئاسياً يكون الرئيس فيه هو السلطة التنفيذية، وإنما هو نظام برلماني لمجلس الوزراء فيه دور رئيس، وقد نجح الرئيس اللبناني في مواجهة التحدي الأول بتكليف نواف سلام برئاسة مجلس الوزراء الجديد.
والمأمول أن الروح التوافقية نفسها التي أفضت إلى انتخاب جوزيف عون سوف تستمر من أجل تشكيل وزاري يخرج قدر المستطاع عن أسلوب المحاصصة الطائفية باتجاه تشكيل حكومة كفاءات ذات صلاحيات حقيقية تتولى وضع المبادئ التي عبر عنها عون في خطابه الرئاسي موضع التنفيذ. وسوف يواجه الرئيس وحكومته بالتأكيد صعوبات حقيقية في هذا التنفيذ، ويحتاجون إلى أكبر قدر من الحكمة والحنكة في هذا الصدد، وعلى سبيل المثال فإنه إذا كان مفروغاً منه أن عهد وجود سياستين خارجيتين للدولة اللبنانية قد انتهى بضبط استخدام السلاح الموجود في لبنان، فإن مصير هذا السلاح يمثل مشكلة حقيقية أتمنى أن تتحلى كل الأطراف فيها بالحكمة الواجبة لعدم تفجير الموقف الداخلي في لبنان بسببها.
وسوف يحتاج النجاح في هذا الأمر إلى حكمة أطراف خارجية كذلك، فلا شك أن إتمام الانسحاب الإسرائيلي من لبنان بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، والتوقف عن القيام بأي أعمال عسكرية جديدة، والحض الأميركي على هذا التوجه سوف تمثل كلها خطوات مساعدة في تحقيق هذا الهدف، ويبقى الأمل في لبنان جديد لكل اللبنانيين.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة