في ثلاثينيات القرن الماضي، أدى الجفاف الرهيب إلى إغراق المجتمعات الزراعية في الولايات المتحدة في أزمة كبيرة. ومع هجر الملايين من الأميركيين منازلهم، أنشأ الرئيس فرانكلين دي. روزفلت شيئاً رائعاً: إدارة إعادة التوطين، التي سعت إلى نقل مجتمعات بأكملها إلى بلدات جديدة مثل جرينديل، بولاية ويسكونسن، وجرينهيلز، بولاية أوهايو.
بعد ما يقرب من قرن من كارثة «قصعة الغبار»، (أو عاصفة الغبار)، تقف أميركا على أعتاب أزمة نزوح أخرى، وهذه المرة ناجمة بشكل أساسي عن تغير المناخ. في نهاية عام 2022، أحصى مركز مراقبة النزوح الداخلي، وهو منظمة غير ربحية دولية، 543 ألف أميركي فروا من منازلهم هرباً من كارثة ولم يعودوا بعد. ومع تزايد عدم توافق البنية التحتية الأميركية التي تعود إلى القرن العشرين مع مناخ القرن الحادي والعشرين، سيزداد هذا العدد. وعندما يحدث ذلك، فإن مصائر مناطق بأكملها، وخاصة المناطق الساحلية، سوف تتصدع على طول خطوط الصدع الاقتصادية.
مع اختفاء إدارة إعادة التوطين منذ فترة طويلة، لا توجد وكالة فيدرالية تتحمل مسؤولية مساعدة المجتمعات الأكثر تهديداً وبُعداً على الانتقال إذا رغبت في ذلك. لقد تخلى صناع السياسات بشكل أساسي عن هؤلاء الأميركيين الذين يحتاجون إلى الانتقال إلى أماكن آمنة في أعقاب فقدان أراضيهم بسبب ارتفاع منسوب البحار والعواصف المتفاقمة.
هذا الفشل لافت للنظر بشكل خاص، لأنه منذ منتصف القرن العشرين، كانت الولايات المتحدة تقدم دائماً تقريباً شكلاً من أشكال التعويض (مهما كان ضئيلاً) عندما يتم الاستيلاء على أراضي مواطنيها، لكن معظم المجتمعات الريفية على الخطوط الأمامية لتغير المناخ لا تُمنح الاعتبار نفسه. وعلى الرغم من أن تغيّر المناخ ليس بمثابة استيلاء حكومي على الممتلكات، إلا أن التمييز بالكاد يهم من منظور مجتمع نازح.
أنفقت المدن الغنية والكثيفة مثل نيويورك ولندن والبندقية مليارات الدولارات على بنية تحتية معقدة لحماية العديد من السكان، (ولكن ليس الجميع) من الطقس القاسي، لكن البلدات والقرى الريفية تفتقر عموماً إلى الموارد اللازمة لبناء جدران بحرية أو سدود ضخمة لصد العواصف وارتفاع المد. ستضطر العديد من هذه المجتمعات إلى الانتقال. يمكنها القيام بذلك بشروطها الخاصة (إذا ساعدتها الحكومة)، أو الانتظار حتى تجعل الكوارث منازلها غير صالحة للسكن، وتجعل خياراتها أكثر خطورة.
قرية شاكتيوليك في ألاسكا، حيث أُجريت أبحاثٌ منذ عام 2022، هي واحدة من هذه الأماكن. يعيش سكانها البالغ عددهم 250 نسمة، ومعظمهم من الإنوبياك، على شريط من الأرض بالكاد يزيد عن كونه شريطاً رملياً على بحر بيرينج المعرض للعواصف. لا يوجد طريق يمكن للسكان من خلالها الإخلاء، ولا يوجد ميناء يمكن للقوارب أن ترسو فيه بأمان أثناء العاصفة. بدلاً من ذلك، يمثل مدرج صغير من الحصى الرابط الأساسي بين هذه المجتمع، وبقية أميركا الشمالية.
في عام 2009، وصف تقرير حكومي شاكتوليك بأنها «مهددة بشكل وشيك» بسبب التآكل الساحلي والفيضانات. وفي عام 2022، اندفع إعصار من المحيط الهادئ الذي بلغت حرارته مستويات قياسية، ودمر السد الحصوي الذي كان يشكل الدفاع الوحيد للقرية ضد الانجراف في البحر. وأكدت الكارثة ما قاله العديد من الشيوخ والمهندسين لسنوات: يجب على سكان شاكتوليك الانتقال إلى أرض مرتفعة، وبسرعة.
عندما يكون النزوح غير مخطط له، يمكن أن يحطم المجتمعات، حيث يتشتت السكان إلى مدن بعيدة، غير قادرين أو غير راغبين في العودة. بالنسبة للمجتمعات الأصلية على وجه الخصوص، فإن التخلي عن وطن يعرض اللغة والثقافة والسيادة والصيد التقليدي وصيد الأسماك والحصاد للخطر.
وعلى النقيض من ذلك، يسمح النقل المخطط للمجتمعات بالبقاء متماسكة أثناء انتقالها بشكل جماعي إلى بر الأمان. وبالنسبة لشاكتوليك، فإن هذا المكان الآمن من المرجح أن يكون التلال المنخفضة على بُعد 12 ميلاً، بعيداً عن الساحل المتآكل، ولكن لا تزال ضمن أراضي القبيلة.
نظراً لعدم وجود وكالة واحدة تنسق عمليات الانتقال، يتعين على المجتمعات تجميع التمويل من قرابة 12 كياناً مختلفاً في واشنطن، غالباً عن طريق التقدم إلى عشرات برامج المنح التنافسية التي تديرها وكالة حماية البيئة ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية وغيرها. عند تقييم المقترحات، غالباً ما يطلب المسؤولون الفيدراليون من المتقدمين إجراء تحليل التكلفة والفائدة الذي يضع المجتمعات الفقيرة في وضع غير مؤات. يمكن للقرى أن تحصي مساكنها المتواضعة وبنيتها التحتية المحدودة، ولكن يتم استبعاد القيمة الثقافية والروحية للبقاء متماسكة من الميزانية العمومية النهائية.
في السنوات الخمس والعشرين الماضية، تمكن مجتمعان أميركيان فقط، وكلاهما من السكان الأصليين، من تجاوز هذه العقبات. الأول، جزيرة جان تشارلز في لويزيانا، استغرق 20 عاماً لإكمال العملية. والثاني، نيوتوك في ألاسكا، في الخطوات النهائية من إعادة التوطين، بعد أكثر من 30 عاماً من التخطيط وجمع الأموال. وفي حين تقدم زعماء شاكتوليك بطلبات للحصول على تمويل إعادة التوطين من وكالات فيدرالية مختلفة، فإن المجتمع لم يجمع بعد ما يكفي من المال، وقد تم تمويل بعض مقترحاتها، في حين تم رفض العديد منها.
في ديسمبر الماضي، أوصت إدارة بايدن بإجراء تغييرات على المتاهة البيروقراطية التي تعيق إعادة توطين المجتمعات المضررة من تغير المناخ، لكنها توقفت عن تنفيذ هذه التوصيات، أو اتخاذ الخطوة الحاسمة المتمثلة في تعيين وكالة واحدة لتتولى القيادة في إعادة التوطين بسبب تغير المناخ.
في ظل الإدارة الثانية لترامب، سيكون من الصعب إقناع المشرعين «الجمهوريين» الذين يتطلعون إلى تمويل تخفيضات الضرائب بتولي القيادة في إعادة توطين المجتمعات، ولكن يجب على المحافظين الذين يفتنون بفكرة الكفاءة أن يتذكروا أن التصرف بشكل عام يكلف أقل على المدى الطويل من الانتظار حتى يتم إلحاق الضرر. على سبيل المثال، توقعت دراسة كلفت بها لويزيانا أن جهود الحماية الساحلية ستوفر للدولة ما بين 11 مليار دولار، و15 مليار دولار سنوياً من الأضرار الناجمة عن تغير المناخ.
حتى الآن، كان الرد العام على المجتمعات المعرضة لتغير المناخ بمثابة تجاهل سياسي، ولكن من خلال الفشل في ضمان قدرة الأميركيين الريفيين على الانتقال، تصبح مستقبلاتهم ضحية جانبية للشلل السياسي الذي يطارد أزمة المناخ، بينما يكون معظم المسؤولين الحكوميين آمنين خلف الجدران البحرية وأنظمة الدفاع المتطورة ضد الفيضانات.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»