إن صعود حزب «المحافظين» بقيادة بيير بواليفير بعد استقالة جاستن ترودو من منصبه كرئيس وزراء كندا يُمثل تحولاً جذرياً في المشهد السياسي العالمي والإقليمي. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تلوح في الأفق ديناميكية قيادية جديدة قد تحمل تداعيات عميقة على منطقة الشرق الأوسط. استقالة ترودو من رئاسة حزب «المحافظين»، تمثل خسارة لصوت تقدمي بارز على الساحة العالمية، حيث كان يُعرف بدفاعه عن قضايا المناخ، والتعددية.
في المقابل، من المتوقع أن تركز السياسة الخارجية لبواليفير على الأولويات الاقتصادية والأمنية والتحالفات التقليدية، ما قد يؤدي إلى تراجع الالتزامات تجاه مبادرات المناخ والسياسات الإغاثية. تحت القيادة «المحافظة» الجديدة، قد تتبنى كندا موقفاً أكثر حزماً في قضايا الأمن والدفاع في الشرق الأوسط، مما سيعزز التحالفات العسكرية وجهود مكافحة الإرهاب مع الشركاء الإقليميين الرئيسيين، لكن هذا قد يزيد من التوترات مع إيران، ويُفاقم الاستقطابات في المنطقة.
ومن المرجح أن يتبع «بيير بواليفير» نهج ترامب في علاقاته مع إسرائيل، وقد تسعى حكومته لتعزيز المشاركة الكندية في دعم جهود بناء السلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك، قد يؤدي هذا التوافق إلى استقطاب موقف كندا في منطقة تشهد تنافسات وصراعات جيوسياسية معقدة. وقد يعمل «المحافظون» على إعادة ضبط أولويات كندا الدبلوماسية، متجنبين التركيز الذي أبداه ترودو على الدفاع عن حقوق الإنسان.
بدلاً من ذلك، من المرجح أن تترأس المصالح الاقتصادية والأمنية الأجندة، مما قد يغير من دور كندا في قضايا مثل الحريات السياسية والأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط. كذلك، من المحتمل أن يصبح النهج تجاه إيران أكثر تشدداً، حيث يعبر كل من بواليفير وترامب عن انتقاد لسياسات طهران. قد يتجسد هذا في زيادة العقوبات، وتقليص المشاركة الدبلوماسية، وتعزيز دعم حركات المعارضة، مما قد يؤثر على المفاوضات النووية والاستقرار الإقليمي.
كما أن تركيز بواليفير على تطوير قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع خطوط الأنابيب، قد يؤثر بشكل كبير على أسواق النفط العالمية، مما قد يعيد تعريف العلاقة التجارية مع دول الخليج المنتجة للنفط ويؤثر على ديناميكيات الطاقة العالمية.
ومن جانب آخر، من المتوقع أن تشهد سياسات الهجرة تغييرات كبيرة تحت قيادة المحافظين، مع ضوابط أكثر صرامة وتعديل في سياسات اللاجئين، مما سيؤدي إلى إعادة تشكيل علاقة كندا مع مجتمعات الشتات في الشرق الأوسط، ويغير صورتها كوجهة ترحيبية للمهاجرين من المنطقة. إن التقارب بين الزعامات المحافظة في كندا والولايات المتحدة تحت قيادة بواليفير وترامب قد يسفر عن تحالفات غربية أقوى، وإعادة هيكلة استراتيجيات التجارة والطاقة، وتطور في العلاقة مع الشرق الأوسط.
ومع انتقال كندا إلى هذا النموذج القيادي الجديد، فإن دورها على الساحة العالمية مرشح للتحول، مما سيترتب عليه تبعات كبيرة على الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي