إن كانت هناك من مفاجأة أحدثها دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا، فهي حلول الأهلي المصري «زعيم القارة» وسيد المسابقة الأقوى، وصيفاً لمجموعته، بعد خسارة مزدوجة أمام أورلاندو بيراتس الجنوب أفريقي،  وهي دليل على أن طول ومشاق السفر في أدغال القارة، وكثرة المنعرجات التي تسحب للجنون والمخاطرة، تتسبب في فقدان التوازن، إلا أن هناك مفاجأة أخرى أشد مضاضة ومرارة، وتتمثل في خروج نادي الرجاء المغربي صاحب الألقاب الثلاثة من دور المجموعات، بعد أن حل ثالثاً في مجموعة الموت، خلف مواطنه الجيش الملكي وماميلودي صن داونز الجنوب أفريقي.
فلماذا هي مفاجأة، أن تتكسر أجنحة النسور الخضر أفريقيا، وهم الذين وعدوا أنصارهم بتحليق رائع يعيد لهم الزمن الجميل؟
ما قدمه الرجاء الموسم الماضي، وهو يحكم الوثاق على لقب الدوري، وعلى كأس العرش، مُقرِناً ذلك بأرقام قياسية وغير مسبوقة، بشر الجميع بعودة قوية للرجاء لمسرح الأبطال، لولا أن هذا الرجاء سيسحبنا إلى مدارات الجنون وهو ينتقل من النقيض إلى النقيض، من فريق جذاب وبراق إلى فريق يحترف الرداءة، ويميع ما حوله من أجواء، فكيف تغممت السماء حتى حجبت الرؤية عن النسور؟ كيف تحوّل الرجاء من فريق ينهي موسمه من دون خسارة إلى فريق يدمن الهزائم؟ من فريق تحتفي به جماهيره، وترسم معه الحلم الجديد، إلى فريق ينكسر فيصيب هذه الجماهير باللوعة؟
لعله جواب واحد على السؤال المرتعش على الشفاه، الهشاشة التي تُلازم منظومة الاشتغال من ألفها إلى يائها، هشاشة الرؤية وهشاشة التدبير وهشاشة القرارات، وهذه كلها تقود إلى هشاشة القاعدة الاقتصادية، فالرجاء برغم كل المساعي الحثيثة التي بذلت، وبرغم كثير من التجاوزات في تطبيق الأحكام المعاقبة لاختلال التوازنات الاقتصادية، وبرغم قاعدته الجماهيرية العريضة، وبرغم عمقه التاريخي، فإنه عجز عن التحوّل إلى مؤسسة تتحصن ضد الهلوسات التسييرية، وتحول دون مزيد من الانزلاقات.
ولأن الجماهير تتحوّل في غياب المؤسسة القوية التي تشتغل، رياضياً واقتصادياً، لتحقيق التوازنات، إلى هيئة للمحاكمة وحتى للعقاب، فإنها إزاء هذا الانزلاق الخطير ستشكل قوة ضغط رهيبة جعلت رئيس وأعضاء المكتب المديري للرجاء يدعون لجمعية عمومية غير عادية، عنها ستنبثق لجنة لتصريف الأعمال، ولا أحد يعلم إلى أين ستمضي هذه الهشاشة بنادٍ كان يفترض أن يتقوى كغيره من الأندية المرجعية بالجلباب الاحترافي.
أعرف أن القياس مع وجود الفارق يصبح وجعاً، لكن أندية نشأت في كنف الاحتراف، وتؤطرها أحكام الاحتراف هناك بالقارة العجوز، لا يمكن أبداً أن تسمح بحدوث مثل هذه النزوات، التي يصبح معها الفريق تحت رحمة غضب الجماهير، فتحوله الهشاشة إلى ورقة خريف تتقاذفها الأهواء.