ما أطفأت شمس صباح المدينة ابتسامتها، إلا داهمها ما يشبه الغروب الدامي، تغطت السماء بدخان ونار تصاعدت لهباً من قمم جبال ناعمة مطلة على مدينة لوس أنجلوس، من جراء حرائق بدأت فجأة وأضرمت النار بأشجار غاباتها، واستعرت شرراً، وجرت بها الرياح إلى أقصاها، ومدتها باشتعال بلا انطفاء، وغمرت السماء بدخان ورماد يتطاير، اشتد عليها غضب الطبيعة هذه المرة، وانهارت على إثرها تلك القمم الشامخة وما عليها من بيوت كانت توصف بأنها راقية وذات قيمة عالية.
لم نكن على مقربة من الحدث، إلا أننا كنا نشاهد توهج النار وهي تشتعل ورجال الإطفاء بالسيارات والطائرات يهرعون إلى قمم الجبال وما وهنوا، إلا أن الأمر الجلل أصاب المدينة فتصلبت الحياة من حولها، إلا من تنبيهات تصدر بين حين وحين تصلنا من هيئات مختصة تأمر بإخلاء البيوت التي ستطالها النار، لذا وجب الاستعداد للرحيل وسط زحام من سيارات الهاربين إلى حواضر أكثر أماناً، والهيئات المختصة تواصل جهدها بكل قدراتها لفتح ملاجئ في الملاعب الرياضية لاستيعاب آلاف البشر.
لم تصب منطقتنا بشيء من الحرائق، ما عدا سحب من دخان ورماد يغطي السماء ويطوقها ومثلها حواضر لم تمس من مناطق بعيدة، والنار قد قصمت المدينة بمساحتها الشاسعة وحولتها إلى مشاهد محزنة وصعبة التكهن بما سيحدث، فلم تشتعل النار في قممها بهذه القوة الخارقة منذ زمن بعيد، نار تؤججها عاصفة تمنحها وقود الاشتعال، تتعرج بها ما بين سهولها وجبالها لتحيلها حمماً من لهب ودخان أخفى أجزاء من المحيط الهادي، ومعالم المدينة وأحالها إلى ظلام دامس.
شهدت المدينة ترقباً وفراراً وذعراً وشتاتاً وعواقب وصعاباً وأهوالاً واستغاثات ونقلاً تلفزيونياً مباشراً يصور مشاهد الإطفاء، أخبار حقيقية تبث وأخرى مفبركة، والاستعانة بمساعدة من ولايات قريبة ودول قريبة ككندا والمكسيك وأفراد تطوعوا لصد الحرائق، تكاتفت الأيادي والجهود من شركات ومؤسسات التحمت جميعها في منح المساعدات لمن فقدوا منازلهم. تعاونوا بما يجسد الألفة أمام الخطر الماثل، وها هي المدينة تستعيد شيئاً من ألقها وتقترب من هدوء، بمعالمها الجميلة المختلفة، ما عدا الأماكن المتضررة، إذ لازالوا في تحدٍّ زمني آخر من أجل استعادة مكون البهجة بين أرجاء المدينة، لطي صفحة مأسوية في تاريخها.