في منازل الكتاب، يحلو النشيد، والحكاية تشذب مفرداتها، والوعي يتسع كأنه السماء، والحلم يخيط قميص الفرح، والعيون ترتب رموشها، والحياة ترتدي سندس الحب.
في منازل الكتاب ترى الوجوه كأنها المرايا تعكس شغف القراءة، وتنتمي إلى أبجدية الضاد بكل حفاوة وتقدير، والناس في هذه المنازل فراشات، والكتاب زهرة تعطر الأجنحة، وتملأ فراغ العالم بأنفاس كأنها النسيم، تهفهف وريقات، وتداعب كلمات، وتمضي في الراهن كأنها حالة مخاض لبناء وعي جديد، لتشييد عرش عند هامات النجوم، وتقليم أظافر اللاوعي، وتكبيده ما قد يلجمه ويمنع عنه الثقوب في الذاكرة.
في منازل الكتاب، تترعرع مهج، وتترع لغة، وتحشد المشاعر البشرية جل قدراتها كي يحمل على عاتقها تنوير الصحائف، وتمجيد الكتب، والمضي قدماً إلى حيث تنظف الطبيعة صدر الغطرسة، وتشذب شجرة الوعي، وتحقق ما تحتاجه النفس من مبهرات تشيع الأمل في النفس، وتمنع عن الأمنيات صدأ الأزمنة، ونعيق الغربان.
في منازل الكتاب تبدو الحياة شالاً من مخمل الكلمات المشبعة بالحب، المترفة، الباذخة بمعاني التلاحم بين الأنا والآخر، حتى لا تنكسر أشعة الشمس، ولا يصيب القمر الخسوف، ولا تسقط نجمة على رؤوس الأشهاد، ولا يتوارى حلم، ولا تغيب مقلة في وضح النهار، ولا تتلاشى أمنية في عيون عشاق، ما ملوا التحديق إلى الأفق، والبحث عن أغنية، تحرض فيهم معنى الجمع بين كلمتين، ومعنى التلاحم بين نظرتين.
هنا، في هذا الحضور البهيج، في هذا الترادف للمعاني، يصبح الكتاب مكاناً للتوقف، ومنطقة لقراءة الحلم البشري، بكل ما فيه من غدير الأمطار، وهدير الأمواج، وما بينهما تستقطب الرؤية الجمالية، ملكاتها كي تسجل للتاريخ أن في بلد من بلدان العالم، تنتعش الكلمة كما تتحرك الدماء في الجسد الصحيح المعافى، وهنا في الإمارات، تبدو الكلمة كأنها المحارة تتفتح عن در، وعن ابتسامة مرحلة، وعن وعي يتألق في زمانه ليعيد للعالم رونق حضارات، ربما تكون قد أفلت، ولكنها تستعيد بناءها على أرض خصبها الوعي، وجعلها مزرعة للأحلام الزاهية، هي الإمارات، يرعاها عيال زايد، ورثة الباني المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
هنا منزل الكتاب ومنزلته، وهنا حصنه وحضنه، هنا مزنه التي تعيد لأعشاب القلب نضارتها، وتمنح الروح أجنحة.
هنا في الإمارات، يجد الكتاب ضالته، ومظلته، هنا يجد القارئ مملكته، وملكيته، وملائكته التي تحيط بشأنه، وشجنه، هنا تتبارى المعرفة، كي تحقق مآل الفلسفة، وأشياء في التفاصيل، يلزم أن تفسرها صفحات بين دفات كتاب، وفي عيون المدنفات سعياً وراء كلمة فيها من المعنى ما يغري، ويغدق، وكل ما يملأ وعاء العقل، وكل ما يجعل ما بين الكلمة والروح ما يشبه العلاقة بين الجدول والشجرة.