«رحت عند العَكّاس أباه يسوي لي عَكّس حق الباس»، تلك الكلمة كانت شائعة منذ الخمسينيات، والجميع يفهمها، لكن العصر جددها بطريقة؛ ذهبت للمصور ليأخذ لي صورة من أجل جواز السفر، كان دكان العَكّاس يومها شيئاً مهماً، وينعتون به الطريق للغريب والضال الدرب، وقد ظهر عندنا العَكّاسون المتنقلون بآلة التصوير الخشبية والمظلة السوداء، ولكن كان عددهم قليلاً، وأعتقد شخصياً أن كلمة العَكّاس أصح لغوياً من المصور بحكم تقنية التصوير التي أول ما ظهرت مع الكاميرات القديمة في بدايات القرن المنصرم، وقد نحتها الأولون من الأهل بطريقة صحيحة وسليمة.. موضوعنا اليوم عن ما يزعج العَكاس في يومه الذي عادة ما يكون طويلاً:
- مرور السائح السابح في روحانيته ولا يدري عن وضعية العَكاس واستعداداته لاصطياد صورة أو عكس، فيظهر ذلك السائح المار من بعيد في إطار الصورة مثل شبح أو لال ماء، وأيامها لم تكن هناك تقنية تنظيف الصورة وإلغاء ما لا تريده، وإضافة ما تريده.
- الأعمدة الكهربائية المزروعة في كل زاوية، وخاصة تلك الخيوط ذات الجهد الكهربائي العالي، وأبراجها الحديدية.
- المندهشون الذين يظلون يراقبون عمله، ومن كثرة محبتهم يريدون أن يملوا عليه ما يمكن أن يفعل في الصورة، وبعضهم يظل يهندس على رأسه حتى يخرجه عن طور طيبته.
- عشاق الظهور في الصورة، وهؤلاء كثر، وهو يكاد يعرفهم واحداً.. واحداً، لأنهم يتشابهون في الصفات والأفعال، ولا عندهم هدف في ذلك اليوم إلا الظهور على الشاشة، ومحاولة الحضور لحظة قص شريط الافتتاح.
- من أشد الأشياء التي تزعج العَكّاس تلك المناكب القاسية، بعظامها الناتئة، خاصة من الرجل الطويل الضعيف، تجدها مثل رماح الحجر، ولا تضربه إلا في الخاصرة، وعلى غفلة، وهو منهمك في عمله.
- يكون المسكين في مؤتمر، ومطلوب منه من شغله التغطية الكاملة، ويعطيه المنظمون ثلاث دقائق مع زملائه الكُثر، والدقائق الثلاث دائماً ما تكون منقوصة، ولا يعرف يحتج، وعلى مَن في الموقعة التي يتمنى أن يخرج منها غير منهزم.
- من الأمور التي تزعجه ذلك الحوار المتكرر مع الناس الذين ينظرون للعدسة بحَوَل لا إرادي أو الذين يكونون متخشبين، تقول الواحد منهم جالس على «بيب المختن».
- من أعداء العَكّاس ثنيات السجاد أو ذلك الزَلّ الجديد المستأجر، والمركب على عجل في الملتقيات، والذي يمكن أن يخرطف له في أي لحظة عدم انتباه، ويجعله فرجة بين الحضور.
- من الأمور المزعجة له بشكل لا يمكن التنبؤ به، مرور سحابة فوق رأسه وهو يصور، فتتخربط كل عَدّادات الكاميرا، وتظهر الصورة سوداء على غير ما يشتهي!
- من مزعجات ومكدرات خاطر عَكّاس «الديجتل» الجديد أنه، رغم كل تقنيات الزيف و«الفلترات والمكياج» والإضاءة التي تغش العين، ما زالت كل النساء تقول له: حرام عليك.. ظهرتني مب حلوة!