لم تثبت الدراسات التي أجريت على طبيعة شخصيات الشعوب أن العرب لديهم ذلك الميل العنفي الظاهر، فهم مثلهم مثل كل الشعوب التي عرفت الحضارات، وألفت التواصل والاتصال بالآخرين، وممارسة التبادل التجاري، والتزاوج الثقافي بعد ما تحضروا وتمدنوا، وسكن أهل الشعر بيوت الطين والمدر، بالتأكيد الواحد من العرب لا يشبه راهباً بوذياً، ولا متنسكاً في صومعة، ولا هم من ذوي إن لطمك أحد على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، غير أن حال العرب من حال كثير من الشعوب، تنتابهم صراعات النفس البشرية، ويمرون بظروف راهنة وقسرية ومؤقتة خارجة عن إرادتهم، وأفق حلمهم، فيبدو عليهم الغضب والسخط، وبعضهم لا يضحك حتى لو تصبّح برغيف سُخن. واقع وحال العربي الْيَوْمَ لا يبشر بأن يكون مهادناً، ولا تظهر عليه العدوانية وبعض الشرر، خاصة وأنه وين يضربها تظهر عوجاء، لذا تجده في الأعراس يغضب ويتشاجر مع نسيبه، والحريم ما يعجبهم العجب، و«الزعلة ببيزه»، يمكن علشان «صحن هريس» تنشب مشادة نسائية، وتتطور لتصل لأسرار البيوت، العربي في الجنازة يمكن أن يغضب ويتعارك مع المعزين، ويخرجهم من طور الحزن على المرحوم إلى سب أهل المرحوم. في الختان يمكن أن يغضب العربي، ويعبر عن عنفه بطرق شتى، لا يسلم منها حتى المختن وشنطته القديمة، مع بداية العودة للمدارس تغضب الأسر العربية من محيطها لخليجها، وتعنّف كل شي يقع أمام ناظرها من تصريحات معالي وزير التربية والتعليم بمناسبة بدء العام الدراسي، وليس انتهاء بأقساط المدارس الخاصة، ولوم مدرس الرياضيات في عدم فهم وإدراك ابنهم السمين للمعادلات الرياضية الحديثة. العرب يلعبون الورق، والتي يفترض أنها للتسلية، فتنقلب لصراخ مع زميل اللعبة أولاً، لأنه ساه، ولا يعرف يلعب بحرفية، ثم مع الخصوم، ويخرج الجميع غاضباً. فاز ناديهم فرحوا وشاجروا الآخرين، انهزم فريقهم نازعوا المدرب ولاموا الحكم. المخالفة المرورية يمكن أن تخرج العربي عن طوره، وعن أدب القيادة المرورية الملتزمة، العرب، ولا أدري ما يخصهم في «الباسك وأقليم كتالونيا»، إذا انهزم «برشلونه» غضبوا وحزنوا، فاز «الريال» زعلوا. فاتورة الكهرباء ظهرت هذا الشهر على العربي برقم لم يتوقعه نتيجة خطأ في الحاسب الآلي، ولم يجر تصحيحه، لأنه ربما بسبب خلل في «السيستم»، والعرب ما يحبون أن يخترب «السيستم»، وتجدهم يكيلون جام غضبهم على «واطسون» مخترع الكهرباء، وربما أصبحوا من أنصار البيئة الخضراء في رمشة عين، وحدها المرأة و«شوفتها» التي تسر الناظرين تجعل من العربي يميل للملاحة والظرف، وتتفكك أساريره، ويخضرّ قلبه بمرآها وشوفتها الغالية، لكنه أيضاً من أجلها قد يسيل دمه، ودماء أبناء القبيلة، لأن أحداً داس على طرف ثوبها، ولو كان المسكين أعمى! لأن الموضوع الذي في رأسه بيت الشعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم!