تصدرت قمة العين والهلال، في الجولة الثالثة، من دوري أبطال آسيا للنخبة، العناوين والمضامين، وكل المساحات التي كنا، العرب، نرسم فيها أحلامنا برؤية كرة قدم، شبيهة بتلك التي تُلعب بأوروبا، ونقول عنها بوصف بلاغي، إنها كرة قدم من «كوكب آخر».
هذه القمة التي شهدت خسارة العين على أرضه، أبقت «حامل اللقب» من دون فوز، ووضعت الهلال في برجه العاجي، مستمتعاً بـ «علامة كاملة» من النقاط، إلا أنني لن أعيدكم لهذه المباراة الهلامية من بوابة الأرقام والإحصائيات، وما أفرزته من معطيات، ولكن من زاوية ما شاهدناه في المباراة، ويندر أن نجد له قبيلاً في كثير من ملاعب العالم، وحتى في أوروبا، فما كان في حوار العين والهلال ضرب من ضروب الخيال، معزوفة كروية راقية، وعرض ساحر يُستدلُّ به على ممكنات دورياتنا وأنديتنا العربية متى ارتقت إلى المستويات الذهنية والبدنية التي تسمح لها بمحاكاة كرة قدم المستوى العالي.
مباراة من تسعة أهداف، كثيرها من صناعة جميلة، ومن مهارة جماعية وإبداع فردي، لا يمكن إلا أن تكون المنتج الرائع والجذاب الذي يحلم به أي عاشق للكرة الجميلة، وما كان ذلك كل شيء في تلك القمة المجنونة، بل كان هناك إيقاع رهيب، تبادل معه الفريقان قيادة المباراة إلى حدود «الوله»، وكان هناك صدى يتردد في ملعب هزاع بن زايد لسيمفونية كروية صمم الفريقان معاً ألحانها في تناسق، وحتى في تضاد يأسر العيون.
وكان أجمل ما في مباراة العين والهلال، تلك المبارزة الساحرة بين العيناوي سفيان رحيمي، والهلالي سالم الدوسري، فكلما أطلق سفيان «زغرودة أطلسية»، رد عليه الدوسري بـ «العرضة السعودية»، ونجح العازفان معاً في توقيع «هاتريك» لكليهما، دلالة على ما كنت قد أكدته لأكثر من مرة، من أن اللاعب العربي متى نضج تكتيكياً وتقوى ذهنياً، متى أمكنه مضاهاة النجوم الذين نعدهم اليوم سادة وصناعاً لكرة الأحلام والإلهام في «القارة العجوز».
وعندما يتسيد رحيمي والدوسري في القمة مشهد الإبداع، ومعهما وإلى جوارهما على مسرح الجمال نجوم كبار، مثل البرازيلي مالكوم، والمطرقة الصربي ألكسندر ميتروفيتش، والصربي الآخر سيرجي سافيتش، والبرتغالي روبن نيفيس، والبرتغالي الآخر جواو كانسيلو، والساحر البرازيلي نيمار، والأرجنتيني ماتياس بلاسيوس، فإن ذلك يعني شيئاً واحداً، أن كرة القدم ما بلغت الذروة بأوروبا، إلا لأن اللاعبين هناك يعطونها بقدر ما يأخذون منها، ورحيمي والدوسري أكدا أن لاعبينا العرب يمكنهم أن يسافروا إلى الكوكب نفسه، أن يهدوننا كرة القدم الجميلة، بوَصْلاتها الجماعية، وومضاتها الفردية، وعلى الخصوص بسحر التكتيك ومتعة الانضباط.
وكيف يمكن أن ننسى مباراة العين والهلال التي كانت من طينة المباريات التي ستخلد في الذاكرة، كيف لا، وقد قال خلالها سفيان وسالم: إن «الهاتريك» بيتكلم عربي.