أن تعلم بأمر ما لا يعني أنك تعرفه، ومعرفة النفس فعل يختلف عن العلم بها، إنها مرحلة لاحقة يصل لها الإنسان الذي عَلِم، وقد لا يصل، إذ يتوقف ذلك على قدرته على العلم بنفسه، وهذا يعني علمه بأن له ذاتاً وعليه تلمّسها.. كيف هي؟ ما نقاط قوتها، كيف هي مواطن ضعفها؟ ما هدفها؟ والكثير غيرها من الأسئلة التي يكون طرحها دلالة على العلم بوجود الذات.
أما معرفة الذات فهي تلحق من فعل على مجمل الإجابات المترتبة على تلك الاستفهامات، فالإنسان يعيش مع ذاته طوال الوقت معتمداً على الألفة التي أحدثها الزمن ومعتقداً بها كقناعة للإدراك والمعرفة، بينما يأتي طرح سؤال عام وبسيط أمامك عن النفس، ومن ثم مفاجأتنا بالعجز عن الإجابة بسهولة، دليلاً دامغاً على أن الألفة مع النفس لم تكن كافية لمعرفتها!
ومن أشكال معرفة الذات القبض على مواطن الضعف، وهو أمر صعب جداً يعتقد الكثيرون بسهولته، وهذا غير حقيقي أبداً، فالأمر يتطلب قدراً كبيراً من الصدق والأمانة والشفافية، وهو أشبه بالتحليل الشخصي عبر تفكيكها إلى أجزاء منفصلة ومحاولة القبض على كل جزء على حدة، ومن ثم تسميته.
حتى الآن لم نصل إلى إدراك الذات، لأن هذه المرتبة تحتاج إلى قدر أكبر من سمات وصفات الصدق والأمانة، مضافاً إليها الكثير من القسوة والحزم، لأن إدراك الذات يعني أن تكون قادراً على تصنيف صفاتك وغربلتها وتشذيبها، وهي جراحة في الذات الإنسانية لا يملك القدرة على الإتيان بها أي كان.
أما تقييم الذات ووضعها في مكانتها الحقيقية بهدف السمو بها للأفضل، فهذا لا يحدث إلا مع من امتلك الحكمة وأطرافها، هذا الإنسان الذي يصل لهذه المرحلة هو الوحيد القادر على تقييم نفسه ووضعها في مكانتها الحقيقية.. وهو ما يمكن أن يطلق عليه أنه عرف نفسه.. فهل اقتربت يوماً من ذلك؟