ترك لي الفلاسفة سؤالاً محيراً حول طبيعة العقل الذي أفكر به، هل هو مصنوع من المادة التي هي نفسها يتكوّن منها الجسد، أم هو كيان روحي وغير مادي يتأثر ويؤثرُ بالذبذبات والأفكار والأطياف الروحية في هذا الكون الغامض؟ وكأنما الوجود هنا منفصل ما بين مادة وروح.. ها أنا منذ الطفولة أسأل مدرس الجبر: هل الكلمة صوتٌ وشكلٌ أم هي المعنى المخبوء فيها؟ واسأل معلم الرياضيات: هل الأرقام يمكن أن تحمل عكس معناها؟ وكنتُ أحمل أيضاً ورقة بيضاء وأسأل مدرس العلوم: هل الكون الذي نراه هو الحقيقة العلمية الوحيدة، أم أن في العلم أيضاً مفاهيم وتصورات نخترعها نحنُ ونظن أنها الحقائق المطلقة؟
أحياناً يختبئ الشر في قلب النور، لكن عندما يختلطان عليك في لحظة غفلة، لا تعود تعرف أين الصواب وأين الخطأ، تُرى في زمن مثل هذا، كيف ستدرك الفرق بين الوهم والحقيقة؟ وإلى أيهما ستنحاز وأنت لا تعرف أصلاً أيهما معك وأيهما عليك؟
إنهم يتحدثون عن شيء اسمه الحرية.. حسناً، هل أنت من تحدد مصيرك بنفسك؟ أم أن الريح التي تهبُّ فجأة، من جهة الأقدار، هي التي تتلاعبُ بستائرك كلها وتجعلك عرضة للانكشاف على المجهول وتحتّم عليك الخضوع لشروطها؟!
وقع يوماً في يدي كتاب «العدالة حقٌ للجميع» وعلى غلافه صورة لميزان لا يميلُ هنا أو هناك، إنها صورة مضحكة حقاً! أي ميزان هذا الذي لا يميلُ، وأي يد هذه التي تملكُ أن تُبقيه معتدلاً إلى ما لا نهاية؟!
هل الأخلاق الإنسانية متفقُ عليها بين البشر؟ بالطبع لا.. نحن لسنا أبناء ثقافة واحدة كي تصبح الأخلاق صفة متفقاً عليها عالمياً، الأولى أن تقبل اختلافي عنك، وأن أقبل اختلافك عني، وساعتئذ لن أمتعض لو رأيتك تقطع الشجرة في الغابة المجاورة لبيتك، وأنت لا تنظر لي باستغراب إن رأيتني استميتُ لأزرعها في الصحراء.
لا تحدثني عن الموت وكأنه نقيض الحياة، إنه مجرد استمرارها، لا توجد نهاية لمعنى، وأقصد هنا معناك.
أعرف رجلاً تمسّك بالفضيلة فكان مصيره التهلكة، وأعرف امرأة آمنت ببهرجها فصارت تعبرُ أمام الحراس في الليل وهم يظنونها الدواء الوحيد لعطش أرواحهم من وحشة المصير.
كلنا أسرى للجمال والضوء، هذا ليس صحيحاً، هناك على الدوام أسرى لاستمرار العتمة، وهم أشباحها.