المسابقة الأجمل والأروع والأكثر جذباً للمشاهدة والمحتضنين في العالم، انطلقت الثلاثاء بنظام جديد، قيل من طرف من صمموه وهندسوه وحوّلوه إلى فعل واقع، أنه سيزيدها سحراً وألقاً، بينما يتوجس الفاعلون الحقيقيون، ممن يركضون على أرضيات الملاعب، ومن يقفون أمام مقاعد البدلاء، أن يكون هذا النمط المستحدث زيادة في الوجع، بل وشروعاً في الانتحار.
طبعاً، الأمر يتعلق بدوري أبطال أوروبا الذي تنقضي اليوم أول جولة من هيئته الجديدة التي تختلف كلياً عما سبقها، فلا حديث هنا عن مجموعات تتبارى في كل منها أربعة أندية بنظام الذهاب والإياب، لربح مقعدين مؤهلين لأدوار خروج المغلوب، بل بنظام أربع مجموعات تضم كل منها تسعة أندية، وكل ناد يلعب ثماني مباريات، أربع بملعبه، وأربع أخرى خارج القواعد.
عندما جرى تقديم هذه الصيغة المستحدثة من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، انتقيت العديد من العبارات المدغدغة للمشاعر، لإبراز الوازع الجمالي الذي يحث على التغيير؛ بهدف جعل المسابقة الأقوى متابعة، أكثر جاذبية وأناقة ومتعة لملايين المتابعين حول العالم، وطبعاً اقترن ذلك بإغراءات مالية، والمكافآت تزيد قليلاً أو كثيراً، عما جرى التعارف عليه في النسخة القديمة.
ولن نختلف، عن أن الباعث على هذا التغيير المحفوف بكثير من المخاطر الطبيعية، والتي تقترن عادة بأي تحديث، أمران اثنان، أولهما، جمالية مبطنة برغبة في زيادة الإيرادات المالية، والآخر، إضفاء لمسة جديدة على المسابقة الأقوى لدى «يويفا»، لقطع الطريق على مبادرة «سوبر ليج» التي خرجت من رحم الأندية الأوروبية الكبرى، وقاتل الاتحاد الأوروبي لوأدها في مهدها، لاعتبارات تجارية ورياضية هي نفسها التي تحكمت في الصيغة الجديدة لدوري الأبطال، اعتبارات مادية صرفة، لا تقيم وزناً للازدحام الرهيب الذي تعرفه الروزنامة الموسمية، والذي يقود حتماً لمحرقة حقيقية يرمى باللاعبين لجحيمها.
وحتى قبل أن نستكشف التمثلات الفنية للصيغة المستحدثة لدوري الأبطال، ارتفعت أصوات خبراء وفنيين ولاعبين، ممن ينشغلون بجمالية اللعبة، وبصحة اللاعبين الصناع الحقيقيين للاحتفاليات الكروية، لتشجب هذا التغيير الذي سيزيد من عدد المباريات، ويعمق معاناة اللاعبين، الذين يتساقطون هذه الأيام بأعداد كبيرة، بسبب ما يحدثه ازدحام الروزنامة من تخريب لعضلاتهم، وما يقدّم على أنه تغيير للأفضل متعة وجاذبية، هو في واقع الأمر طمع متزايد من الأوصياء على المؤسسات لزيادة الإيرادات المالية، بحجة أن اللاعبين يربحون كثيراً، فلماذا لا يلعبون كثيراً، ولا يهم أن تفتح أبواب الانتحار على مصراعيها.
ذاك هو قدر لعبة كرة القدم منذ الأزل، أن تشهد صراعاً ضارياً بين وجهها الجميل، ووجهها القبيح، بين الخطاب الرومانسي الذي يصور لعبة كرة القدم على أنها إبداع إنساني، وبين هاجس مادي متوحش يسحق القيم.