تعبر سفينة الخليج العربي من عُمان مروراً بدولة الإمارات ثم قطر فالسعودية والبحرين حتى تحط رحالها في الكويت. وبحر الخليج يحرس شراعها، وأمواجه بيضاء من غير سوء، وفي الأعماق تكمن لؤلؤة الفيض الإلهي، هناك تسكن مهجة الغواص، وهناك تداعب أنامله محارة العمر، «والسيب» ينتظر شد الحبل حتى تصبح قفة النور على سطح سفينة الخير.
عندما تشرق الشمس ويصحو الخليج على نهمة البحار، تصبح أمواج الخليج جبالاً شماً تحرس مشاعر المغادرين إلى هناك، حيث اللجة الزرقاء والأشواق ووله القابضين على نجمة الليل، تناجيهم بروح الكائنات العفوية، وترفع النشيد عالياً، هيا نسكن أجنحة الريح، هيا نسكب الأغنيات فرحاً بعودة ميمونة إلى أحضان اليافعات اليانعات الرابضات خلف الأفق في انتظار مجيء الغيث السماوي، وحضور الغيمة النبيلة، واستتباب الأفئدة بعد شغف ولهف، هنا في هذا الخليج الأنعم، هذا الأنعم الأعم، هذا الأعم الأدهم، سكنت مهج وارتاحت ركاب على صهوات الفكرة الأزلية، وسارت جياد تبحث عن أمل، عن نبقة في خضم السدرة العملاقة، هنا سواعد جرت مراكب الفحولة واندمجت مع الوجود، في رحلة الكون المديد في المدى مدت أشرعة، وفي قلب السحابات ملأت ثغوراً بقبلات اللقاء بعد بعاد، هنا ترتبط الأواصر وتلتحم الدماء في نهر الخليج، منسجمة مع الأصول والفصول والتاريخ والجغرافيا، هنا الحب يكبر وتنمو خصلات سواحله، وعلى سفوح المجد والسؤدد والسد والود، ولا بد لنا أن نصرح ولا نلمح بأن الخليج العربي مقلة الوجود وشعشعة النهار بين ضلوع أبنائه، هؤلاء الذين يحلمون دوماً بأن يبارك الله في نعيمه، وأن يوسع من أفق تعاضده، وأن تكبر أشجاره، بحيث تكون الجدران التي تحمي فنائه، وأن تكون الظل والخل والخيل والخليل وجلال الموقف ونبل العلاقة بين الأحبة وأبناء المصير الواحد والتاريخ المشترك، وكبارنا يرفعون الأيدي، ضارعين إلى العلي القدير بأن يمد مداد الخليج ليكون اللون في المقل، وتكون السطور كتاباً مسطوراً مجللاً بحب هذا الشريان الكوني، ومنه تنبع حقول المودة وسعادة العالم، وصغارنا يرفعون الرؤوس عالياً، وهم يحملون في طيات كتبهم المدرسية خريطة الخليج العربي، مكللة بتيجان الفرح، متوجة بأكاليل المجد العريق، هذا الخليج خليج الأمل والسلام والمحبة والاستقرار والوعي بأهمية أن نكون معاً في صلابة الموقف وثبات الحلم.
هذا الخليج الذي خرجت منه سفن ابن ماجد عابرة المحيط لأجل الوصول إلى أفق العالم، لأجل تعبئة الزمن بتضاريس لم تخدشها جهالة، ولم تعمرها نخالة، هذا الخليج في الزمن شعلة وفي المكان نخلة، وما بينهما درة تضيء طريق الذاهبين إلى الأفق؛ بحثاً عن مجد السواحل والجبال ووديان الفرح.