- سيأتي حين من الوقت على الإنسان، ليجد أنه صديق نفسه الوفي، وأنه يمكنه أن يتخلى عن الكثير من الناس، لكنه لن يخذل نفسه، ويتخلى عن صداقتها، ليست نرجسية متناهية، ولا تورماً شنيعاً في الذات، إنها قناعات العمر، وما تأتي به الحكمة من تجليات، والتي قد يعدها البعض فلسفات ناقصة، وشطحات من الجنون، حين يتعادل الجنون مع بدايات الخرف.
- إذا ما كافأ الإنسان نفسه على عمل جميل أتقنه، وأهدى نفسه هدية قيمة، مثل سفرة مجانية أو ساعة ثمينة، فتلك هدية من هدايا الإنسان لصديقه الذي هو نفسه، لِمَ نستهجنها، ونعدها من عبث الإنسان مع نفسه الأمارة بالحب، والتفرد، وتلك المتعة التي تجدها حين تعتلي الشارف من الأمور.
- لِمَ ينتظر الإنسان أن يثني عليه أحد أو يشكره أحد، ونفسه موجودة، أجمل الثناء الذي يأتي وبصدق من صديقك الصدوق الذي هو أنت، لأنه يعرف مقدار التعب، وثقل الجهد، وما سال من دمع الليل، وعرق مجاهدة الصبح.
- ما ضر الإنسان إذا ما اختلى بنفسه، وسافر معها، وأفرحها بأشيائهما المشتركة، فكل طاولات المطاعم وكراسي المشارب، ومقاعد الحدائق تتسع لاثنين، الإنسان وصديقه الخفي الذي هو نفسه.
- أجمل الصباحات المتكاسلة، وجلسة الشرفات الفجرية، وفنجان القهوة الساخنة، والتأمل الكوني، تكون أجمل وأنت تجلس بجوار صديق عمرك المتنكر، والذي هو أنت.
- لا تنس أن تعزم صديقك الذي هو نفسك على رحلة بحرية تتوحدان فيها مع الأزرق منذ فجره إلى مسائه، بعيدين عن الأذى، وما يصنع ويتصنع، ويقول ويتقول الآخرون، أمامكما الأزرق ولحافكما الأزرق، فأي متعة بعدها أيها الصديقان المتلازمان، لكما جمال الدنيا واتساعها وسماحتها، وكل الود والورد.
- لن تجد مثل باريس ومدريد وشوارعهما، ومتعة التسكع فيها، ولذة معانقة السعادة، وترك نسائم هوائها تلاعب قميصك الصيفي، إلا إذا مشيتها مع صديقك ظلك، تتسابقان، ولا تعرفان من منكما يحب الآخر أكثر.
- بودك لو تستطيع أن تزور كل تلك الشبابيك المواربة على خجل الوقت، وستر العمر، وتقول لصديقك الذي هو نفسك: لو تهدي تلك الشرفة أغنية فيروز، البنت الشلبية، وتلك باقة من ورد التوليب الأصفر، وتلك عصارة عنب تأخر، ولا تنس من كانت تعشق السهر، ودفء مواقد الخشب، وموسيقى يختلط بها الشرق والغرب في لعبة الجسد والسحر وما يمكن أن يوهب.
- ما ضر هذا الثنائي الجميل المتكامل لو خطفته أميركا اللاتينية، الأرجنتين مثلاً وبعدها كوبا قبل أن تفقد براءتها الثورية أو كانت تشيلي على مدى طولها الجغرافي الممتد نزولاً، غاية الفرح أن تَهَبا روحَكما الواحدة لتلك البقعة التي لا تعترف إلا بالفرح، ولو كانت على وقع أحذية الجند الخشنة أو إيقاع أسلحة المارقين عن إنسانية الإنسان، ناشدين الخراب في أجمل بقعة على الأرض، وأجمل إنسان يمكن أن يصادفك بالسعادة فجأة.. أميركا اللاتينية دائماً فرح مؤجل.
- جميل أن تقبل صديقك وخليلك الذي هو نفسك في المرآة غير المشروخة في صبحكما ومسائكما، فأجمل اللحظات التي تبدأ بالعناق، ولا تقبل الوداع.