لم تذهب سدى صيحة الطارش عندما سرى صوتة بعيداً، وأشعل الطريق والقرية (غريقة... غريقة). دب ذعر في القرية والناس، عرفوا بأن الماء قد غدر بأحدهم. منذ ذلك البدء كانت للماء حكاية ورواية، قام بسردها الروائي العماني زهران القاسمي. رواية جميلة وحكاية تأتي من عمق الحياة الاجتماعية في عمان الداخل، حيث البيئة الزراعية والجبلية، بل حيث تخرج الأفلاج من أعماق تلك الأرض الطيبة والصعبة أيضاً، وحيث يشكل الماء الحياة، وما تعطيه وتمده من ماء هو السبب الأول في ظهور تلك المناطق والقرى، واستقرار الناس في أرضهم.
(القافر) سليل الماء وإرث وطريق جاءه من بدء تلك الحكاية، كانت ولادته غير عادية وحدث جديد في بلدة (المسفاة)، عسرة تلك الولادة، فبعد أن تبعت أمه نداء الماء وأخذها ذلك النداء الخفي بأن تتبع بريق الماء أينما يظهر، وعندما هدها تعب الحياة والرأس المسكون بالجن، وخرير الأفلاج ولمعان الماء، حيث أتعبها جنونها وثقل صداع رأسها وحملها وتتبع الماء، ذهبت إليه في أعماق ذلك البئر العميقة، سقطت وأسلمت الروح، وعندما انتشلوها أخرجوا الجنين الحي بعد شق بطنها، فكانت ولادة سالم بن عبدالله.
القافر نعت ولقب لوالده، ذلك الرجل الفقير في القرية، ولكن مهم جداً في معرفة أين يمكن حفر الأفلاج والحصول على الماء. بعد زمن من وفاة والده يصبح سالم القافر هو وريث وسليل الماء. كان القافر وحده هو المرشد والعالم بوجود الأفلاج العميقة والكبيرة التي تنبع من باطن الأرض الصخرية الصلبة، وحده الذي يسمع خرير الماء تحت الصخور/ الأرض، وهي خاصية لا تتوافر إلا لديه. رواية (تغريبة القافر) جميلة جداً وحكاية مختلفة عن كل الروايات التي ظهرت في عمان والساحل، حيث تسلط الضوء على الحياة الاجتماعية في المناطق الداخلية في عمان، وكيف أن الأفلاج والماء هي العمود الفقري في تلك التجمعات البشرية والزراعية، وهي السبب الأول في ظهور تلك القرى منذ فجر التاريخ وحتى الآن.
 نعم الماء هو الحياة، ولكن خروجه والوصول إليه لا يأتي غير بجهد عظيم وسقوط أرواح كثيرة في سبيل الحياة والعيش، فقد ذهب ضحية ذلك الحفر وشق قنوات الماء بواسطة بشر كثيرين، حتى القافر نفسة تنتهي حياته وتغريبته كما حصل لوالده، موت في عمق قناة الفلج الذي يحفره من أجل الناس والأرض. القليل من الروايات في منطقة الخليج العربي التي تعمقت في كتابة مثل هذه الحكاية الفريدة.. رواية الأديب زهران القاسمي (تغريبة القافر) عمل جميل ويستحق القراءة.