في معرض الكتاب بساتين شعر، وحدائق رواية، ورؤى فلسفية، وأشياء أخر، تخوض جدالاً حول المعرفة، وحول النفس الهيابة، وأسئلة العقل، وما جاوره من سحابات مرت من هنا من طرف العين وأسباب الحضارة، وفكرة التاريخ يوم تساءل هيرودوت عن الكلمة كيف تصبح مجالاً لسباق التسلح بالوعي، وما هو الوعي وما جرى للكلمة عندما تعاقبت عليها العاديات ضبحا، والموريات قدحا، ولم يستعن الإنسان إلا بما جاءت به مخيلته من شجون وشؤون، حتى أستنبت الوعي تارة أخرى، وتجردت الكلمة من مضامين غير ذات نفع، فعلم الإنسان أن الحضارة الإنسانية لا تنمو، ولا تصمد، ولا تترعرع، ولا تتفرع، ولا تمسك بزمام القوة، إلا إذا أصبحت الكلمة صداً والفكرة وتداً تساند إحداهما الأخرى.
لهذا نشعر ونحن نلج بحر الكتاب، ونسير في الردهات، وبين أجنحة الطير العملاق، بأن الحياة تبدأ من هنا، والأسئلة تطرح من هنا، وأن الإجابات تكمن في سبر كتاب له أحباب يحفظونه من سوء، ومن كدر، وأن الكتاب مكنون اللوح المحفوظ، وهو جديلته التي تنسحب على جبين ولجين.
في معرض الكتاب نشعر أننا نستعيد الزمان بتفاصيله، وفواصله، ونستجلب الحياة من بين طيات علامات الاستفهام التي تغرق عبارات، وجملاً، وهذه القافلة تمضي في رحاب الكون، تمضي في المعرض، تبحث عن جملة شعرية ليست غامضة، ولا مسفة، تبحث عن رواية لها ثيمة النجوم عندما تعانق شفة الغيمة، وتخبرها عن لذة التساقي بين العقل والروح، وعن أحاديث الصحراء، ولجلجة الغافة، وهي تعاين لون السماء بيضاء من غير سوء، حاملة معها البشارة، والمطر يدق رموش الغزلان بأناة وتؤدة، ويحكي لها سر انفطار القلب عندما تكون الرواية شيئاً من أسباب الوعي المكلل بأغنيات البحر، وأناشيد الصحراء، ولوعة الكائن المجرد وهو يخب على سنام بعير أسهب في الرغاء، وبالغت الصحراء في الاستجابة حتى سكرت عيون المها، شغفاً برائحة ورقة تنازلت عن علوها، واحتفت بالأرض، تبغي الوصول إلى كلمة سواء بينها وبين الناس الطيبين.
في معرض الكتاب تتجلى الأحلام صوراً من واقع إماراتي أجمل من الجمال، وأحلى من الحلو، واقع له سمة الرؤى التي أوصلت القافلة إلى حيث تكمن حقيقة التطور، وحيث تتجلى الأشياء في تكوينها الفطري من دون ريبة ولا مرية.
في معرض الكتاب، نعيش حلم ابن رشد الذي قال «كل الأديان صحيحة، إذا عمل الإنسان بفضائلها».
أجل وكل الثقافات رائعة إذا تخلصت من شوائب ضميرها، وتحررت من قديمها الصدئ، تجلت نجمة تغسل إهابها من جدول وعيها وتمضي في السهر على عيون العذارى، وتمضي في كتابة تاريخ الضوء منذ أن تجاوز سبينوزا عواقب قومه، وقال، إن الإنسان يعلو كعبه كلما نأى بعيداً عن رواسب التاريخ، وأشكال المضاضة، وسارع في بناء بيت الطمأنينة من أعواد الوعي، وخيام الحب.
في المعرض نجول مثل فراشات تبحث عن وردة ندية، تعطر حاسة شمها، نجول في المعرض مثل طيور جاءت من عالم خلف بحار الغربة، فنحط رحالنا، ونترك للأجنحة مكاناً للاسترخاء، ونمضي في نبش الرمال بحثاً عن نبرة العمر في كتاب ذي صفحات تشبه سحابات الشتاء الممطر.