الغضب هو ذلك الإزميل الذي يحرق غابة الإنسانية، وهو ذلك البحر الطامي الذي يغرق فلذات الكبد في لجة النهايات القصوى، وهو ذلك المخلب الذي يمزق قماشة الجمال في الحياة.
الغضب مكان آمن للعدمية، وهو منطقة سوداء مفعمة بالعبثية، وبذروة الفناء.
الغضب يعمي الأبصار والبصيرة، ويجعل الناس يسيرون على الأرض وكأنهم يتكئون على جدران متداعية، وكأنهم يقبضون الجمر في كف، وفي الكف الأخرى يمسكون باللاشيء.
هكذا أصبحت غزة، عندما نهض الغضب مكشراً عن أنياب الموت المجاني، يهتك، ويفتك، ويسفك، حتى كدنا لا نصدق أن الموت سيغادر تلك البقعة المحترقة من عالمنا العربي، ولكن لأن في العالم خيرين، فكان لا بد من غزة حية، نابضة، يعيش أطفالها الذين حرموا من الأب والأم، ومن المستقبل، ليستعيدوا بنيان الذات، ويكرسوا جهدهم في تطلعات أبيض من أكفان الذين تواروا تحت الرمال، وهذا ما يتأمله كل حي مؤمن بأن السلام هو القاعدة، وما الحروب إلا الاستثناء، وأن حب الحياة أنبل من الكراهية، ولا يغضب رب الكون إلا تلك الجمرات التي تمتلئ بها بعض القلوب، وتلك الحرائق التي تعيث فساداً في ضمائر الذين سكبوا على شرايين قلوبهم «الكيروسين»، وودعوا جمال الحياة لينضووا ضمن قافلة المنتحرين، والذين لم يجدوا جمالاً إلا في القتل، وسفك الدماء.
اليوم، وقد بزغت بوادر حل، يعيد التفاؤل إلى المغبونين، والمكلومين، والمشردين، والمعدمين، نشعر بأن الحياة بخير، رغم كل الشرور، وكل الغرور البشري، وكل المتاهات التي ضاع فيها العقل، عندما تورمت الأنا، وأصبحت طائرة مسيّرة، أو بندقية تقنص، وتردي الفرحة في حضيض الحزن، اليوم نتفاءل، ونزرع الأمل في كل كلمة ننطقها، وكل صفحة نقرؤها، لأن مشاعرنا مبنية على الفرح حتى في أسوأ الظروف التي نعيشها، ولأننا مقتنعون بأن الحياة جميلة، ورائعة، ويعشقها حتى القتلة والمجرمون، ولا يمكن لكائن كان إلا أن يحب أن يعيش، وربما يختل الميزان في لحظة غضب، ولكن لا بد للنفس البشرية من أن تستعيد توازنها وتعرف أن الله حق، وأن الحياة أجمل.
نتفاءل، لأن في التفاؤل دوزنة لأوتار قيثارة الحياة، ولأن في التفاؤل ترنيمة تحفظ مشاعر الإنسان من التلف، وتحمي العيون من غشاوة التشاؤم.
لو فكر الجميع في ما تؤول إليه الحروب، وما يسببه الغضب، لو فكروا بهذا وتمعنوا، وتفحصوا، وتمحصوا، لأيقنوا أن الحروب ليست إلا لحظة خروج العقل من العقل، كما قال الفيلسوف الهندي أوشو، وأن العقل، عندما يغادر مكانه، يصبح الرأس غابة فيها تتصارع الضواري على اللاشيء، وفيها تنمو أنياب ومخالب، والنتيجة أن لا أحد منتصر سوى الغضب، والخاسر الأكبر هو الضعفاء والأبرياء، والذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما يحدث من غزوات عبثية، ونزوات مهلكة، ورغبات لا تبقي ولا تذر.
متفائلون، وأمنياتنا أن تشرق شمس السلام على جباه الأطفال، ويعيش الجميع في سلام ووئام.