لو تمت عندنا دراسة وإحصائية على الأدوية التي تصرف للمرضى بدون قياس، ولزوم ما لا يلزم، ونَفّع مستشفاك ليبقى عقدك ساري المفعول، والتي تصرف بالأكياس، لهالتنا النتائج، وأزعجتنا الأرقام، حتى أن الصيدليات صارت مناوبة على المريض، وليس من أجل المريض، ولا أدري إن كانت جمعية حماية المستهلك يمكنها أن تتدخل هنا قليلاً، لتخفف عن المرضى المستهلكين الحقيقيين لتلك الأدوية التي في قليلها الشفاء، وفي كثرتها الداء، وما يحملونه من كميات فور خروجهم من عند أي طبيب، وتزودهم من الصيدليات المناوبة، بما هو مقسوم لهم من الأطباء، وما هو حصيلة يوم المراجعة.
هل هناك علاقة بين الطبيب والصيدلية التي في حوش المستشفى غير العلاقة الشرعية والمهنية التي تجمعهما؟ وهل هناك نقاط ضعف، وثغرات مخفية بين الطبيب والصيدلية وشركات التأمين الصحي، يمكن الولوج من خلالهما لتكثيف الفاتورة، وتحميل المريض عبئاً على كبده، ليظل المراجع بصفة دائمة، وهناك تجارب حدثت مع كثير من الناس يظلون يعانون هنا من الأدوية الكثيرة التي تضيق بها «الخرايط»، وحين يسافرون للخارج للعلاج، ويشرحون للأطباء ما يتناولونه من أدوية، يأخذونها منهم ويرمونها في مكب الأدوية، وأول شيء يقوله الطبيب الأجنبي لمريضه: امتنع عن تناول هذه الأدوية مرة أخرى! هذه القصة حدثت معك ومع غيرك أو صديقك أو جارك، وما زالت تتكرر، سواء كانت المراجعات الخارجية عند أطباء في أمريكا أو أوروبا أو مستشفيات دول آسيا، لماذا هذا الخلل، ومن يصلح هذا الاعوجاج غير الصحي، وغير الطبي أم أنه اعوجاج يئس من شفائه. 
حاول أن تدخل أي صيدلية التي تبيع الأدوية والكريمات والشامبوهات والمكملات الغذائية والعناية بالبشرة والشعر والسيشوار، وكله، يعني ما ناقص إلا تبيع «وعايين»، وحاول أن تحك وجهك، ستتسلط عليك و«حدّة هالمتن» ما يخصها كثيراً بالصحة والصيدلة، وستحرجك قدام الناس وهي تشرح لك أهمية هذه الثلاث كريمات والذي سعر الواحدة منها فوق الخمسمائة درهم، هذا علشان وجهك أسود ومقشر، وهذا علشان يرطب بشرتك الجافة مثل صفط السمك، وهذا ليعيد لها شبابها الضائع منذ سنوات، فإذا اشتريت تلافياً لإحراج أو أيقنت أنه يمكن أن يفيد بعد تشخيصها القاسي، ستخرج واحدة أخرى مختبئة في ركن من الصيدلية، وستقدم لك ثلاث أنواع من مغذيات الشعر؛ شامبو يجعل الشعر المجعد حريراً، وبلسماً يطيل الشعر، و«ماسك» يجعله لامعاً برّاقاً، أما إذا زحفت بصدرك الرحب تستشير الصيدلانيّة التي تبدو أنها تعاني من مشكلات من فرط السمنة، وتطلب منها العون في اختيار المكملات الغذائية لرجل متقاعد في الستين، ولا يريد أن يكح، ولا يشرق بالماء، ولا ينش من نومه متبريد العظام، فستضحك تلك الضحكة التي تشبه صهيل الخيل، وستملأ محزمك من «B52»، و«اباشي AH64»، وأنت نازل على الحديد والنحاس، وكل ما يرهب الأعداء.
تدرون ليش كتبت هذا الكلام، رأيت عجوزاً في إحدى صيدليات المستشفيات وهي تحمل «خريطة أدوية» الله يعلم ما بها، لكنها ليست كلها مفيدة، وحين سألت الخالة عن سبب مراجعتها المستشفى، قالت لي: عظامي يا ولدي!
فقلت لها: لكنها أدوية كثيرة كيف تعرفين تناولها وأوقاتها وجرعاتها، قالت: «تراهم كل مرة يعطوني مثلها، وأكووه البيت ممزور منها، وأنا ما أقدر عليها، يوم أكلها تلوع جبدي»! صدقت العجوز! وعلينا أن نصدق الأطباء والصيدليات المناوبة على المريض، لا من أجله!