«سبحانه يرزق من يشاء، ولا يترك أحداً من دون عشاء».. قال ذلك بن سويد وهو يدلف إلى المجلس، ابتسم الحضور لدخوله المعتاد وعبارته المعتادة والتي يقولها وبعبارة أخرى، معبراً عن يومه وحالته المتغيرة دائماً، يرفع صوته عالياً، عندما يقول ما يجول في خاطره وبعبارته المعدلة: «سبحانه يرزق من يشاء ويخلي من يشاء من دون عشاء»، عامر المجلس بالوجوه المبتسمة والمرحبة بأي زائر، يمد يده التي تحمل الصقر (الوجري)، صقر صغير الحجم لا يفارقه أبداً، ويرافق دربه أينما ذهب، يرد سريعاً على كل من يقول له، ما فائدة هذا الصقر الآن؟ وفي هذه الحياة الجديدة، وأنت إنسان فقير، لا تملك سيارة ولا أي وسيلة، يمكن أن تذهب فيها إلى أماكن الصيد والمقناص/ القنص، ثم إن هذا الطائر الضعيف، صغير الحجم، لا يستطيع أن يصطاد حتى (جربوعاً)؟!
 يرد بأنه يعشق الصقور، حيث الصقر هيبة وجمال وزينة بالنسبة له، حتى لو أنه لا يقدم فائدة، ولكن هو عنوان الصحراء ورجال الصحراء.. بن سويد رجل مربع القامة، يعتمر دائماً عصامة (حمدانية)، وكأنه يستعد لرحلة صيد/ قنص. قريب من حياة الصحراء ونماذج رجالها على الرغم من أنه يعيش على الساحل، يرتدي في معظم الأوقات ثوباً بني اللون، لا تمر دقائق إلا ويسرع في إشعال (مدواخه) وينفث الدخان عالياً في السماء، ثم يخبط ذلك المدواخ على أقرب شيء إليه، طاولة أو مقعداً أو على علبة الكبريت أو زجاجة الغليون، متحفز دائماً للرحيل، وكأنه جالس على نار/ جمر، لا يستقر طويلاً في مكان واحد!.. مرتحل مع صقره دائماً بين أماكن كثيرة، لا يحتمل الجلوس أكثر من نصف ساعة، متحداً مع صديقه الصقر، حيث تندمج الألوان بين ما يرتدي من ملابس وريش صقره الصغير.
 بن سويد يعيش الحياة من أجل حاضره ووقته، ولا يعنيه ما يشغل الناس من همِّ الحاضر وصراع الحياة أو الخوف من المستقبل، حياته جميلة، بين شروق شمس هذا اليوم أو انتظار عودة الشروق غداً، أنْ تعيش البساطة وترضى بما رزقك الله، وتحلم فقط بالصحة والعافية، وسعادة يومك، ثم انتظار فرح قادم، هذة قيمة عظيمة وملكة لا يقدر عليها غير من أحب الحياة والدنيا وبهجتها، فرحها وسعادتها والتي يصنعها الإنسان وحده.
 قبل زمن ليس بالبعيد، رحل فجأة بن سويد عن الحياة، وكأنه مصباح انطفأ، أشرقت شمس ذلك اليوم ولم يكن معه غير صقره الصغير، والذي أطلقه أهله إلى السماء، حلَّق بعيداً ثم اختفى خلف الغيوم. كل عام يتذكر معارفه والذين أحبوا تلك الشخصية الفقيرة والفريدة في حبها للحياة، تعاد ذكر سيرة ذلك الصقار، الذي أحب الصقور وحياة الصقارة، وفي كل عام يأتي موعد مهرجان الصقارين في أبوظبي، ووحدي سوف أعتبر عودة مهرجان الصقارين، هو إعادة التذكير بذلك الرجل بن سويد، الصقار الفقير الذي عشق الصيد وحياة الصحراء والصقور، كان يمارس حبه حتى لو لم يكن يمتلك إمكانات الممارسة الفعلية للصيد بالصقور.