حين قرأت خبراً عن دولة عربية، تقرر اتخاذ إجراءات لزراعة الأشجار من أجل علاج الاحتباس الحراري، الذي طوق هذا الكوكب، باعتبار الشجر يمتص ثاني أكسيد الكربون ويفرز الأكسجين الذي يساهم في التوازن البيئي، وفقاً لما أثبته خبراء البيئة، شعرت بالفرح وتذكرت علاقتي بالنباتات كسمة من سمات وجودي وأجمل هواياتي وأغنى شغف تملكني إلى جانب شغفي بأولادي والشعر.
وإذا كان الشعر يفاجئني في أوقات متباعدة وخارج حسبان الوقت والاستعداد، فإن النباتات دائمة الحضور والعطاء في بيتي، ورغم أنه بيت صغير وبسيط إلا أنه ثري بالجمال الذي تضفيه الأشجار والنباتات التي تطوق حديقته وغرفه ومدخله، وحين يزورني الأصدقاء ترتسم على وجوههم الدهشة، ويتملكهم إحساس بالجمال والراحة والبهجة، فيهتفون بفرح وإعجاب «ياه.. كم أن بيتك جميل ورائع!»، ولكن في الواقع أنه ليس كذلك إلا بفضل النباتات، التي جعلته أشبه بمشتل خاص، فالنباتات هي التي تثير دهشة الزائرين وبهجتهم، لأن المكان الذي لا نباتات فيه لا يثير الانتباه ولا يعول عليه، وهذا هو شعوري الذي ينتابني حين أدخل بيتاً أو مكاناً لا نبات فيه، مهما بلغ هذا البيت والمكان من الجمال أو الثراء والفخامة.
وحين قرأت نصيحة الكاتب «مايكل أرجايل» في كتابه «سيكولوجية السعادة» حيث يقول: (إذا أردت إن تكون سعيداً لسنوات قليلة، فتزوج، أما إذا أردت أن تكون سعيداً إلى الأبد، فازرع حديقة في بيتك أو في أي مكان خاوٍ كالصحراء)، وكم شعرت بالفرح حين قرأت هذا القول!
لكن لي رأياً في النباتات وشغفي بها أجبت به على دهشة الأصدقاء والصحفيين، حين يبدو لهم أن ثمة غرابة بين كتابتي الشعر واهتمامي بالزراعة وحضور مفرداتها في قصائدي، ففي رأيي أن ثمة علاقة كونية متشابهة ومتجانسة وطبيعية وبيولوجية بين البشر والنبات، حين يكتنز الأخضر بالطاقة الكونية وتنسل إليّنا، لترفعنا حين نهبط، وتشع في كياننا حين نعتم، وتمنحنا القوة حين يهدنا الجوع، تعلمت منها الرقة والجمال واحترام الكائنات في تنوعها، ومعاني الموت والحياة، وتعاقب الفصول.. و.. و.. فالنبات هو الحياة، تسقط أوراقه في الخريف لا لكي تموت بل لتخصب الحياة في الجذور، وتجدد شباب الشجرة، حين تمر بي الكآبة لا شيء يبهجني سوى حديثي إليها، والعناية بها، حتى أصبحت أحسها وأسمع نهنهة الماء في جذورها.