المنتخب الإماراتي فرّط في صدارة مجموعته، التي كان بالإمكان أن يشترك مع المنتخب الأوزبكي في التحليق بها عالياً، لو حقق فوزاً على منتخب إيران، قال جميعنا إن تحقيقه على أرضية استاد هزاع بن زايد بمدينة العين أمام حضور جماهيري قياسي، ليس أمراً مستحيلاً، مثلما لم يكن الفوز على منتخب قطر بطل آسيا لنسختين متعاقبتين مستحيلاً في جولة استهلال التصفيات المونديالية، والمحرّض على هذا الاعتقاد، أن المنتخب الإيراني حقق على أرضه فوزاً قيصرياً أمام منتخب قيرغيزستان، الحلقة الأضعف في المجموعة الأولى.
لكن مباريات كرة القدم في تعاقبها، أو حتى تقطعها أشبه ما تكون بالنهر الذي لا تجري فيه المياه نفسها، وما ينطبق على مباراة لا يمكن أن يسري على أخرى، وهنا بالذات تبرز براعة المدربين في السيطرة على تقلب الفصول التكتيكية، وترويض المعطلات الإبداعية، ومصادرة أي نوع من الانتشاء النفسي المبالغ فيه، والذي يضرب اللاعبين بعد كل فوز أنطولوجي.
امتثل مدرب «الأبيض»، البرتغالي بينتو للقاعدة الذهبية التي تقول: «لا نغيّر فريقاً يفوز»، فقرر مواجهة المنتخب الإيراني بذات التشكيل الذي تفوق على العنابي بالدوحة، وما كان يساوره شك في قدرة لاعبيه على الخروج من دائرة الانتشاء بالفوز الاستراتيجي على قطر، وما كان يظن أن لاعبيه سيفتقدون الدافع النفسي الذي يعطيهم القدرة على إنتاج ذات الأداء الجماعي القوي والمتماسك الذي ظهروا به في جولتهم الثانية أمام العنابي، لأن الفوز على منتخب بخبرة وثعلبية إيران يحتاج فعلاً إلى الشراسة والجرأة والحصافة التي اتسم بها الأداء بالدوحة.
طبعاً، لم يقدم «الأبيض» ما يشفع له بالفوز أولاً، وبترويض المنتخب الإيراني ثانياً، وما أعجزه عن ذلك، أنه لم يكن يملك الأدوات الفنية، والمخزون البدني الكافي لينتج أداء جماعياً متوازناً في مباراتين قويتين لم يفصل بينهما سوى خمسة أيام، دليل ذلك أن بعض المقاطع التكتيكية الجميلة لم تتكرر في مباراة إيران، بل إن «الأبيض» لم يستطع في أي لحظة أن يحكم قبضته على المباراة، بل إنه عرّض نفسه لرجة نفسية رهيبة بتلقيه هدفاً إيرانياً في الوقت بدل الضائع للجولة الأولى، هدف شتت الأفكار وقوّض صرح التركيز، وصادر الانسيابية التي يجب أن يكون عليها تصميم الجمل الهجومية، وأعتقد أن مثل هذه الحالات من الرشح التكتيكي ستتكرر كثيراً في مباريات ذات الحساسية المرتفعة.
لذلك إن لم يكن بينتو قلقاً من الأداء الجماعي للأبيض في مباراة إيران، على قدر قلقه من الخسارة، فإن الأمر يفرض استرجاع روح مباراة الدوحة بعصفها الذهني، وبومضاتها التكتيكية، وبخاصة عدم الخروج عن النص، الذي يورث الكثير من العذاب ويغلظ العقاب، في مسار لا يسمح بتكرار الأخطاء والعتاب.