في ثقافتنا، يخبرنا الآباء عن انتصاراتهم وقراراتهم الصائبة والنجاحات التي حققوها، لا نسمع شيئاً عن إخفاقاتهم ولحظات الندم والألم التي عاشوها، لا يخبر الآباء شيئاً عن عنادهم أمام نصائح الآخرين التي استخفوا بها، رغم إثبات الزمن أنها كانت في محلها. في موروثنا الاجتماعي يتجنب الناس الحكي بصراحة عن المعوقات التي واجهوها قبل أن يصيروا إلى ما صاروا إليه، ولهذا - وللأسف - تتدنى قدرتهم في التأثير على الآخرين!
النصيحة هي ما يعهد به إلى الغير، وعادة ما تكون ذات مكانة وقيمة لدى مُقدمها، وكذلك عادة ما تقدم لمن هو من وجهة نظر المُعطي شخص عزيز، ولهذا يُقدم الكبار على نقل خبراتهم وخلاصة حياتهم لأبنائهم وأحفادهم، على أمل أن يكون لأبنائهم نصيب أفضل من الحياة.
ولكن هل حقاً ينقل أولئك الكبار قصصهم بأمانة؟ استفقت على هذا السؤال عندما أخبرني صديق باكتشافه بعد وفاة والده أن له أختاً تكبره وتعيش في بلد أجنبي وقد احتفظت بجنسية وديانة والدتها! الغريب أن هذا الوالد كان قد عارضه بشدة عندما قرر صديقي أن يتزوج بأجنبية، مستخدماً حجة أنه أحسن النسب فاختار له أماً ذات أصل ودين مما جعل حياته سعيدة، وأن عليه أن يفعل لأبنائه مثله. غير أن صديقي لم يجد في حجة والده سبباً لردعه عن قراره! وللأسف لم تنجح زيجته وكانت لها تداعيات كارثية على صغاره، وما زالت. يا تُرى هل كانت نصيحة الوالد ستذهب سدى لو أنه كان صادقاً وأخبر بتجربته المريرة لابنه؟
إن النصائح كالعهود، يجب أن تكون صادقة وحقيقية، يجب أن يخبر عبرها بالزلات والسقطات والمحن التي تحولت لدروس تمنح الحياة لأصحابها. يجب أن تُحكى تلك النصائح بتفاصيل الظروف الاستثنائية التي شهدوها وتعاطوا معها؛ لأنها هي التي شكلتهم ومنحتهم استحقاق اللحظة التي يعيشونها الآن، وجعلتهم في مكانة نسمع منها.. ونتأثر بها.