لا تكفي بلاغة العبارة لوصف الحضور القوي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في المشهد الثقافي العالمي، منحازاً مجدداً لمشروعه الثقافي، حاملاً معه رسالتنا، وحكايتنا، وقصتنا، وحضارتنا، ورقينا الفكري.
في هذه المرة، يطل سموه في ميلانو، متوهِّجاً كعادته، يشعّ بروح التواصل الفكري والثقافي والإنساني والحوار والانفتاح الحضاري، عربياً بروحه وهويته، متشبثاً برؤيته الإنسانية النبيلة، تملؤه الثقة بإرثه الحضاري العربي والإسلامي، مدفوعاً بإيمان عميق بخياراته في الانفتاح على الأمم والثقافات والمعتقدات في هذا الكون الشاسع.
إجابات واضحة ودقيقة عن الشخصية العربية، قدَّمها سموه خلال افتتاحه «المعهد الثقافي العربي»، كتَبها بلغة واضحة، وألقاها في شكل رسائل حضارية وإنسانية، عبَّرت عن قيمنا وأصالتنا ورؤيتنا للثقافة باعتبارها رُقياً فكرياً وأدبياً واجتماعياً للأفراد والشعوب.
ولأنه المسكون بحب البلاد وترابها وناسها، فإنه يتخذ من كل مناسبة فرصة ليحكي عن شعبنا، وسياقنا التاريخي، وإرثنا الثري، وواجبنا الأخلاقي، وقيمنا الإنسانية، فراح يتحدث عن اللغة العربية التي خرجت من الجزيرة العربية، وبحوثه حول كلماتها الأصيلة، وعن قناعاته بأهمية الحفاظ على الثقافة، عربية، كانت أم إيطالية، أم لاتينية.
ولأنه «سلطان المعرفة»، بكل ما يحمله اللقب من رمزية وبهاء، أعلنها مدوية في القاعة التي جرى فيها حفل افتتاح المعهد: «لا للعبث بالثقافة، وعلينا حماية لغاتنا وعقائدنا وثقافاتنا»، ليعيد للأذهان جانباً من ملامح مشروعه الثقافي الذي يؤمن بأن القوة الحقيقية للإنسانية لا بد أن تتجلى الآن وليس غداً، وأن دروب الأخوة والتواصل بين الشرق والغرب لا بد وأن تتسع، ليدشّن الجميع واقعاً ومستقبلاً أفضل للأجيال، ويبسطوا أرضية مشتركة للغد.
ننظر إلى سلطان القاسمي قامةً وطنيةً عاليةً، ورمزاً إنسانياً كبيراً، يتكئ إلى إرث كبير من الحضارة والتاريخ والرقي الإنساني، وينطلق من نظرة عميقة ومعاصرة وخبرة كبيرة تحظى باحترام العالم المتحضر.
تعجبنا فيه رؤيته، وانفتاحه الواعي على العالم، ورغبته الأكيدة في تعزيز التفاعل معه في إطار من الاحترام المتبادل، والعمل الإبداعي المشترك.
يعجبنا فيه أنه صاحب مشروع حضاري كبير، اختار له أن يقوم على الفكر والمعرفة والاعتدال واحترام الاختلاف ومواجهة الكراهية والإقصاء، ومن ثم بناء قواعد الحوار، والاشتباك الثقافي بكل سردياته ومظاهره.
تعجبنا فيه مصداقيته، وجهوده المتواصلة والدؤوبة لتعريف العالم بالفعل الثقافي العربي، وتبنيه ببراعة وإصرار رؤى طموحة لتمكين هذا الفعل، دراسةً وبحثاً عبر جهود متجددة، مثَّلت رافعة لحضارتنا وآدابنا وفنوننا، وهمزة وصل بين تراثنا وحاضرنا، وبين تراث وحضارة الآخر.
شكراً سلطان القاسمي، لأنك تقدم نموذجاً إماراتياً حضارياً رائداً في المنطقة.. شكراً لجهودك في بناء مجتمعات المعرفة، والاستثمار في الكتاب والكلمة. شكراً لأنك تعيد الاعتبار إلى التاريخ واللغة والفن والكلمة، من منطلق كونها مُحرِّكَاً للتنمية، ومُنطَلقاً للنهضة.
شكراً، لتوهُّجك الدائم.. شكراً، لأنك تُحلِّق في آفاق العالم بمشروعنا الإنساني، وتُلقي الضوء على الشارقة والإمارات، حاضرةً ثقافيةً ثريةً، جديرةً بأن ينظر العالم إلى تجاربها ومبادراتها ورؤاها، وحَرِيّةً بأن تقود الحراك الثقافي والمعرفي في الإقليم والعالم.