حبات مطر تطرق النوافذ وتغمر الشوارع، ضباب كثيف يلف السماء، وطقوس في التأمل، خيوط طويلة نقية شفافة انتظمت حباتها في عقود امتدت بين السماء والأرض، وبملامسة الأرض تنفرط تلك العقود التي تكلل الفضاء لتبشر بملحمة العطاء والخير، لتروي الظمأ، وتنبت الزرع وتدر الضرع، وتغسل ما ران على القلوب من رفث السنين العجاف، وتجدد العهد الأزلي مع الأرض. عقب المطر ترى الدنيا حولك تزهو وتتبدل المناظر، وكأن الأرض اكتست حلة جديدة براقة تسر الناظرين، كل شيء حولك ينبض بالحياة، وكأن الأرض اغتسلت بماء الطهر الذي جب كل سلبياتها، وينعكس ذلك على جل الناس حولك، ومن هنا ينبع حبهم للشتاء أو قد يكون رغبة في استعادة طفولة بعيدة طوتها السنين. هذا الخير الذي انهمر سحا غدقا، وسالت له الشعاب وجرت له الوديان خلال الأيام الماضية، كشف العيوب والنواقص التي لابد أن تتنبه لها الجهات المعنية، خاصة ما يتعلق في تجمعات المياه في الشوارع والمنخفضات في الأماكن الحيوية من المدينة، لاشك أن الوضع في بعض المناطق جيد، ولكنَّه في أماكن أخرى يحتاج إلى إعادة نظر. العديد من الطرقات والأنفاق تحولت إلى بحيرات، تدفقت فيها المياه التي لم تجد مصارف تتناسب مع غزارتها، فاختارت الشوارع والطرقات الرئيسية مساراً لها، بعد أن عجزت فتحات تصريف مياه الأمطار عن استيعابها. لقد كشفت الأمطار مرة أخرى حاجة شبكات التصريف إلى الصيانة. قد يزعم البعض إن الأمطار كانت مفاجئة ولم يتوقع أحد أن تكون بهذه الغزارة، والحقيقة أنَّها لم تكن مفاجئة لأحد، لأنها جاءت في موسمها ووقتها، ولم تكن بأي حال من الأحوال في موسم الصيف، وبالتالي لم تكن سحابة صيفية وتعدي. السؤال الذي يفرض نفسه بشدة وإلحاح: أين هي إجراءات الصيانة، ولماذا لم يتم الكشف عن مدى صلاحية مصارف المياه وأفنية وعبارات الطرقات الرئيسية لاستقبال مياه الأمطار؟، سؤال نضعه برسم اهتمام الجهات المعنية. ماذا لو تم تشكيل لجنة هندسية تقوم بجولة في أرجاء المدينة خلال الأمطار، والاطلاع على الواقع، وتسجيل الملاحظات حول أداء الشوارع، ووضع خطة للحد من السلبيات التي نواجهها كل عام. المطر بشرى ومتعة ووعد بالخير، هو أيضاً راحة للنفس البشرية التي ترى فيه تنويعاً للفصول والمناخ، يريحها من الخضوع لنسق مناخي واحد من شأنه أن يفضي إلى الملل حتماً، لكنَّ اكتمال هذه المتعة، واستقبال هذه المنحة الربانية يتطلبان بنية هندسية سليمة، وهذا ما نأمل أنَّه سيكون. جميل رفيع jameelrafee@admedia.ae